للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يقل فيه أحدٌ أنه جزءٌ مُسمَّى من اللحم، وقوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦]، وقد فسَّر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- النسك بشاة في حديث كعب بن عجرة -رضي الله عنه-، وكان ذلك أقلّ ما ينطلق عليه الاسم، فكان هو المتعيِّن، ولأنهم قد اتفقوا: على أنه لا يجوز في الهدايا المريض البيِّن المرض، ولا المعيب بنقص عضو، وإذا كان كذلك مع صدق الاسم عليه فأحرى وأولى ألا يجوز جزءٌ من اللحم.

واعتَذَر عن حديث جابر -رضي الله عنه-: بأن ذلك كان في التطوع، وهو مستند أحد القولين المتقدمين، وليس بالمشهور عن مالك، وبأن تلك الأحاديث ليس فيها تصريح بالاشتراك في الثمن، فلعلَّه قصد التشريك في الثواب، أو التشريك في قسمة الجزور، حتى تقسم البدنة أو الجزور سَبْعَ قِسَم بين سبعة نَفَر، والله أعلم.

وقد أشار إلى هذا جابر -رضي الله عنه- فقال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أحللنا أن نهدي، ويجتمع النفر منا في الهدية، فإنه مشعر بأن التشريك إنما وقع بعد انفراد المهدي بالهدي، فتأمله. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: إنما نقلت كلام القرطبيّ هذا بطوله، وإن تقدّم ذكر الخلاف في المسألة؛ ليَعلم المنصفون كيف أدّى التقليد بأهله إلى ردّ النصوص الواضحة إلى غير معناها الواضح؛ فكأن من يحاول هذه المحاولة يريد أن يجعل مذهب من قلّده أصلًا، والنصوص فرعًا عليه، ومما يؤسف له أن بعضهم يتفوّه بهذا، ويصرّح به، فيقول: كلّ حديث صحّ، وخالف مذهبنا، فهو إما منسوخٌ، أو مؤوّل، سبحانك هذا بهتان عظيم.

فيا أيها المنصفون اعلموا أن الله تعالى إنما ضمن الهداية والفلاح في اتباع النصوص، لا في تقليد فلان وفلان، فقال تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: ١٥٧]، وقال: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: ١٥٨]، وقال: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: ١٥٤] وقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ


(١) "المفهم" ٣/ ٤١٨، ٤١٩.