قال الحافظ رحمه الله: رواية يونس أخرجها النسائيّ، وأبو داود، وغيرهما، ويونس ثقة حافظ، وقد تابعه معمر عند النسائيّ أيضًا، ولفظه أصرح من لفظ يونس، قال:"ما ذَبَحَ عن آل محمد في حجة الوداع إلا بقرة"، وروى النسائي أيضًا من طريق يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:"ذبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمن اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن"، صححه الحاكم، وهو شاهدٌ قويّ لرواية الزهريّ.
وأما ما رواه عَمَّار الدُّهْنيّ عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت:"ذبح عنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حججنا بقرةً بقرةً"، أخرجه النسائي أيضًا، فهو شاذٌّ مخالفٌ لما تقدم، وقد رواه البخاريّ في "الأضاحي"، ومسلم أيضًا من طريق ابن عيينة، عن عبد الرحمن بن القاسم، بلفظ:"ضحّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نسائه البقر"، ولم يذكر ما زاده عمار الدُّهْنيّ. انتهى كلام الحافظ رحمه الله.
وتعقبه الزرقانيّ، فقال: لا شذوذ فيه، فإن عمارًا الدهنيّ -بضم المهملة، وإسكان الهاء، ونون- ثقة صدوقٌ، من رجال مسلم، والأربعة، فزيادته مقبولة فإنه قد حفظ ما لم يحفظ غيره، وزيادته ليست مخالفة لغيره فإن رواية معمر:"ما ذَبَح إلا بقرة" المراد بها جنس بقرة، أي لا بعيرًا، ولا غنمًا، فلا تنافي الرواية الصريحة أنّ عن كل واحدة بقرةً، فمن شرط الشذوذ أن يتعذر الجمع، وقد أمكن، فلا تأييد فيها لرواية يونس التي حكم إسماعيل القاضي بشذوذها؛ لأنه انفرد بقوله:"واحدة"، وإسماعيل من الحفاظ لا يجهل أن يونس ثقة حافظ، وإنما حكم بشذوذ روايته ومخالفة غيره له على القاعدة أن الشاذ ما خالف الثقة فيه الملأ، وحديث أبي هريرة لا شاهد فيه، فضلًا عن قُوّته؛ إذ قوله:"ذبح بقرة بينهن" لا صراحة فيه أنه لم يذبح سواها، وإن كان ظاهره ذلك فتعارضه الرواية الصريحة في التعدد. انتهى.
وردّ بعض المحقّقين على الزرقانيّ تعقّبه هذا، فقال: وفي هذا التعقب نظر؛ لأن عمارًا ويونس اختلفا في ذلك، وعمار وإن كان ثقةً صدوقًا فلا يساوي يونس؛ لأنه ثقة حافظ، كما تقدم في كلام الحافظ، وقال في "التقريب" عن عمار الدُّهْنيّ: صدوقٌ، فإذا تعارضا في الوحدة والتعدد تَرَجَّح حديث