وحاصله أنه بالتقليد يجب عليه الإحرام، وله تأخيره يومًا، أو يومين، وروى ابن أبي شيبة أيضًا عن الحسن البصريّ أنه إن فعل في أشهر الحجّ وجب عليه الحجّ، وإن كان في غير أشهره لم يجب. (وهذا مذهب سادس).
وروى ابن أبي شيبة أيضًا عن سعيد بن المسيب، والحسن البصريّ أن من بعث بهديه لا يمسك عن شيء مما يمسك عنه المحرم، إلا ليلة جمع، فإنه يمسك عن النساء. (وهذا مذهب سابع).
وروى ابن أبي شيبة أيضًا عن عمر، وعلىّ، وابن عباس، وابن عمر أنه إذا أرسل بدنته، أمسك عما يمسك عنه المحرم، غير أنه لا يلبّي. وهذا (مذهب ثامن)؛ لأنه لم يقيّد ذلك بالتقليد، ولم يقل: إنه محرم، ولا وجب عليه الإحرام، وإنما قال: يمسك عما يمسك عنه المحرم، وهو الذي في "صحيح مسلم" عن ابن عباس أنه قال: من أهدى هديًا حرم عليه ما يحرم على الحاجّ حتى ينحر الهدي، وهذا أصح ما روي عن ابن عباس في هذا، والله أعلم.
وروى ابن أبي شيبة أيضًا عن جعفر بن محمد أنه إذا أرسل بدنته واعدهم يومًا، فإذا كان ذلك اليوم الذي واعدهم أن يُشعَر أمسك عما يمسك عنه المحرم، غير أنه لا يلبّي، وهذا مثل الذي قبله في الإمساك خاصّة، ويخالف بأنه لا يرتبه على مجرد الإرسال، بل لا بدّ معه من الإشعار، فهو (مذهب تاسع).
وروى ابن أبي شيبة أيضًا عن محمد بن سيرين، قال: إذا بعث الرجل بالهدي أمر الذي يبعث به معه أن يقلّد يوم كذا وكذا من ذلك اليوم، ثم يمسك عن أشياء مما يمسك عنها المحرم، وهذا (مذهب عاشر)؛ لأنه لا يطّرد المنع في كلّ ما يجتنبه المحرم، بل يثبت ذلك في بعضها، دون جميعها.
واعلم أن كل من رتّب هذا الحكم على التقليد رتّبه على الإشعار أيضًا، فهو في معناه.
فهذه عشرة مذاهب شاذّة إن لم تؤول، وتردّ إلى مذهب واحد، وكلام النوويّ يقتضي التأويل، فقال في "شرح مسلم" في الكلام على هذا الحديث: فيه أن من بعث هديه لا يصير محرمًا، ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على