وذهبت طائفة إلى أنه يصير محرمًا بذلك، قال ابن المنذر: كان ابن عمر يقول: إن قلّد هديه، فقد أحرم، وبه قال النخعيّ، والشعبيّ، وقال عطاء: سمعنا ذلك، وقال الثوريّ، وأحمد، وإسحاق: إذا قلّد هديه، فقد أحرم، وبه قال النخعيّ، والشعبيّ، وقال عطاء: وجب عليه، وبه قال أصحاب الرأي. انتهى.
قال وليّ الدين رَحمه اللهُ: وحاصل كلامه قولان: أحدهما: أنه يصير محرمًا، والثاني: أنه يجب عليه الإحرام، وعدّهما ابن المنذر قولًا واحدًا، فإنه قال بعد ذلك: وفيه قول ثالث، فحكى المذهب المشهور، وكأن مراد الأخيرين: وجب عليه حكم الإحرام؛ لأنه قد صار محرمًا، فتتّحد المقالتان حينئذ.
وقال الخطّابيّ عن أصحاب الرأي تفريعًا على ما تقدّم نقله عنهم: فإن لم تكن له نية فهو بالخيار بين حجّ وعمرة.
وروى ابن أبي شيبة أنه إذا قلّد هديه، فقد أحرم عن ابن عمر، وابن عباس، والشعبيّ، وسعيد بن جبير، وسعد بن قيس، وميمون بن أبي شبيب، وأنه إذا قلّد فقد وجب عليه الإحرام عن ابن عباس، وهذا يدلّ على التأويل الذي قدّمته، وأن المراد بالعبارتين شيء واحد لكونهما معًا عن ابن عباس.
وروى ابن أبي شيبة أنه إذا قلّد، وهو يريد الإحرام، فقد أحرم عن ابن عباس، وأبي الشعثاء، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وأنه إذا قلّد، وهو يريد الإحرام، فقد وجب عليه الإحرام عن إبراهيم النخعيّ، وكذا حكى الخطابيّ عن سفيان الثوريّ، وأحمد، وإسحاق أنه إذا أراد الحجّ، وقلّد، فقد وجب عليه، وهذا المذكور آخرًا فيه التقييد بأن يكون يريد الإحرام، فإن لم يحمل الإطلاق الأول على التقييد الثاني، وغايرنا بين الإحرام، وإيجاب الإحرام حصل قولان آخران مع القولين الأولين، ويدلّ على أن ذلك لا يتقيد بإرادة الإحرام في قولٍ ما رواه ابن أبي شيبة عن ربيعة بن عبد الله بن الهُدَير أنه رأى ابن عباس، وهو أمير البصرة، متجرّدًا على منبر البصرة، فسأل الناس عنه، فقالوا: إنه أمر بهديه أن يقلّد، فلذلك تجرّد، فلقيت ابن الزبير، فذكرت ذلك له، فقال: بدعة، وربّ الكعبة. وروى ابن أبي شيبة أيضًا عن عطاء، وابن أبي الأسود، قالا: ليس له أن يقلّد، ولا يحرم إلا إن شاء يومًا، أو يومين. (وهذا مذهب خامس).