حتى يسوغ الاحتجاج بذلك؟، ثم ساق ابن المنذر من طريق عطاء، وعبيد الله بن أبي يزيد، وأبي جعفر محمد بن عليّ، وغيرهم قالوا: رأينا الغنم تقدم مقلّدة. ولابن أبي شيبة عن ابن عبّاس نحوه.
والمراد بذلك الردّ على من ادعى الإجماع على ترك إهداء الغنم، وتقليدها.
وأعلّ بعض المخالفين حديث الباب بأن الأسود تفرّد عن عائشة بتقليد الغنم، دون بقية الرواة عنها، من أهل بيتها، وغيرهم، قال ابن المنذر وغيره: وليست هذه بعلّة؛ لأنه حافظ ثقة، لا يضرّه التفرّد. انتهى (١).
وحُكي عن بعضهم أنه تأوّل هذا الحديثَ على أن معناه أنها فتلت قلائد الهدي من الغنم، أي من صوف الغنم، ورُدّ هذا برواية الأسود، عن عائشة -رضي الله عنها-: "أهدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرة إلى البيت غنمًا، فقلّدها"، لفظ مسلم، وفي لفظ له:"كنا نقلّد الشاء، فنرسل بها، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حلال، لم يحرم منه شيء". وفي لفظ للبخاريّ:"كنت أفتل قلائد النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فيقلّد الغنم". ولفظ أبي داود:"إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهدى غنمًا مقلّدة".
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا التأويل الذي قاله هذا البعض باطل؛ لأن هذه الألفاظ لا تحتمله، والله تعالى المستعان.
وخلاصة الأمر أن الحقّ هو ما عليه الجمهور من استحباب تقليد الغنم، كغيرها من الهدايا؛ لصحة أحاديث الباب، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في أن تقليد الهدي، وإرساله هل يوجب إحرامًا، أم لا؟:
ذهب جمهور العلماء من السلف، والخلف، ومنهم الأئمة الأربعة إلى أن من أرسل هديًا إلى الكعبة لا يصير محرمًا بمجرّد ذلك، ولا يجري عليه حكم الإحرام، ولا يلزمه أن يجتنب شيئًا مما يجتنبه المحرم، وسواء قلّد هديه، أم لم يقلّده.