للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأبي ثور، قال: وبه أقول، وإليه ذهب ابن حبيب من المالكية.

وذهب آخرون إلى أنها لا تُقلّد كما أنها لا تُشعر، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، وحكاه ابن المنذر عن أصحاب الرأي. ورواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر، وسعيد بن جبير، ويوافقه كلام البخاريّ، فإنه بوّب على هذا الحديث: "فتل القلائد للبُدن والبقر"، فحمل الحديث عليهما، ولم يذكر للغنم، قاله وليّ الدين رحمه اللهُ (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله عن البخاريّ غير صحيح، فقد بوّب البخاريّ بعد بابين لتقليد الغنم، فقال: "باب تقليد الغنم".

وقد ذكر الحافظ كلام وليّ الدين هذا، من غير تصريح باسمه، فقال: أخذ بعض المتأخرين من اقتصار البخاريّ في هذه الترجمة على الإبل، والبقر أنه موافق لمالك، وأبي حنيفة في أن الغنم لا تقلّد، وغفل هذا المتأخر عن أن البخاريّ أفرد ترجمة لتقليد الغنم بعد أبواب يسيرة، كعادته في تفريق الأحكام في التراجم. انتهى كلام الحافظ رحمه اللهُ (٢).

وقال في "الفتح": قال ابن المنذر: أنكر مالك، وأصحاب الرأي تقليدها، زاد: وكأنهم لم يبلغهم الحديث، ولم نجد لهم حُجة إلا قول بعضهم: إنها تضعف عن التقليد، وهي حُجّة ضعيفة؛ لأن المقصود من التقليد العلامة، وقد اتفقوا على أنها لا تُشعَر؛ لأنها ضعيفة عنه، فتقلّد بما لا يُضعفها. والحنفيّة في الأصل يقولون: ليست الغنم من الهدي، فالحديث حجة عليهم من جهة أخرى.

وقال ابن عبد البرّ: احتجّ من لم ير بإهداء الغنم بأنّه -صلى الله عليه وسلم- حجّ مرّة واحدة، ولم يهد فيها غنمًا. انتهى.

قال الحافظ: وما أدري ما وجه الحُجة منه؛ لأن حديث الباب دالّ على أنه أرسل بها، وأقام، وكان ذلك قبل حَجّته قطعًا، فلا تعارض بين الفعل والترك؛ لأن مجرّد الترك لا يدلّ على نسخ الجواز.

ثم مَنِ الذي صرّح من الصحابة بأنه لم يكن في هداياه في حَجّته غنم،


(١) "طرح التثريب" ٥/ ١٥١.
(٢) "الفتح" ٤/ ٦٤٩.