للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

منها، وحَرَّم إمساكها للتخليل، ونَجَّسها (١)؛ لئلا تُتَّخذ القطرة ذريعةً إلى الْحُسْوَة (٢) ويُتَّخَذ إمساكها للتخليل ذريعةً إلى إمساكها للشرب، ثم بالغ في سد الذريعة، فنَهَى عن الخليطين، وعن شرب العصير بعد ثلاث، وعن الانتباذ في الأوعية التي قد يتخمر النبيذ فيها، ولا يُعْلَم به حسمًا لمادّة قربان المسكر، وقد صَرَّح - صلى الله عليه وسلم - بالعلة في تحريم القليل، فقال: "لو رَخَّصتُ لكم في هذه، لأوشك أن تجعلوها مثل هذه".

(الوجه الحادي عشر): أنه - صلى الله عليه وسلم - حَرَّمَ الخلوة. بالأجنبية، ولو في إقراء القرآن، والسفرَ بها ولو في الحج، وزيارة الوالدين؛ سدّا لذريعة ما يحاذر من الفتنة، وغلبات الطباع.

(الوجه الثاني عشر): أن الله تعالى أمر بِغَضِّ البصر، وإن كان إنما يقع على محاسن الخلقة، والتفكر في صنع الله؛ سدّا لذريعة الارادة، والشهوة المفضية إلى المحظور.

(الوجه الثالث عشر): أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عن بناء المساجد على القبور، ولَعَنَ مَن فعل ذلك، ونهى عن تجصيص القبور، وتشريفها، واتخاذها مساجد، وعن الصلاة إليها، وعندها، وعن إيقاد المصابيح عليها، وأمر بتسويتها، ونَهَى عن اتخاذها عيدًا، وعن شدّ الرحال إليها؛ لئلا يكون ذلك ذريعةً إلى اتخاذها أوثانًا، والإشراك بها، وحَرَّمَ ذلك على من قصده، ومن لم يقصده، بل قَصَدَ خلافه؛ سدًّا للذريعة.

(الوجه الرابع عشر): أنه - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وكان من حكمة ذلك أنهما وقتُ سجود المشركين للشمس، وكان النهي عن الصلاة لله في ذلك الوقت سدًّا لذريعة المشابهة الظاهرة التي هي ذريعة إلى المشابهة في القصد، مع بُعْد هذه الذريعة، فكيف بالذرائع القريبة؟.


(١) القول بنجاسة الخمر ليس عليه دليلٌ صريح، وسيأتي تحقيق القول فيه في محله - إن شاء الله تعالى -.
(٢) "الحسوة" بضم الحاء المهملة: الجرعة من الشراب بقدر ما يحسى مرّة واحدة، و"الحسوة" بفتحها: المرّة.