للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يمتنع من شيء يمتنع منه المحرم؛ لئلا يظنّ أحد أنه استباح ذلك قبل أن يعلم بتقليد الهدي. انتهى.

(ثُمَّ بَعَثَ بِهَا) أي بتلك الهدي المقلَّدة (مَعَ أَبِي) بفتح الهمزة، وكسر الموحّدة الخفيفة، والإضافة إلى ياء المتكلم، تريد أباها أبا بكر الصدّيق -رضي الله عنهما-، واستفيد من ذلك وقت البعث، وأنه كان في سنة تسع، عام حجّ أبو بكر بالناس.

قال ابن التين رحمه اللهُ: أرادت عائشة -رضي الله عنها- بذلك علمها بجميع القصّة، ويَحْتَمِل أن تريد أنه آخر فعل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لأنه حج في العام الذي يليه حجة الوداع؛ لئلا يَظُنّ ظانّ أن ذلك كان في أول الإسلام، ثم نسخ، فأرادت إزالة هذا اللبس، وأكملت ذلك بقولها:

(فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيءٌ أَحَلَّهُ اللهُ لَهُ حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ) أي وانقضى أمره ولم يُحرِم -صلى الله عليه وسلم-، وتَركُ إحرامه بعد ذلك أحرى، وأولى؛ لأنه إذا انتفى في وقت الشبهة، فلأن ينتفي عند انتفاء الشبهة أولى.

وقولها: (حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ) ببناء الفعل للمفعول، ويَحْتَمِل أن يكون بالبناء للفاعل، والفاعل ضمير أبيها.

قال في "الفتح": وحاصل اعتراض عائشة على ابن عباس أنه ذهب إلى ما أفتى به قياسًا للتولية في أمر الهدي على المباشرة له، فبيّنت عائشة أن هذا القياس لا اعتبار له في مقابلة هذه السنة الظاهرة.

وفي الحديث من الفوائد تناول الكبير الشيءَ بنفسه، وإن كان له مَن يكفيه، إذا كان مما يُهْتَمّ به، ولا سيما ما كان من إقامة الشرائع، وأمور الديانة.

وفيه تعقب بعض العلماء على بعض، وردّ الاجتهاد بالنصّ، وأن الأصل في أفعاله -صلى الله عليه وسلم- التأسي به، حتى تثبت الخصوصية. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "الفتح" ٤/ ٦٥٤.