للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العقد، تقطع عنه شُبَهَ السِّفَاح، كالأعلام، والوليّ، ومنع المرأة أن تَلِيه بنفسها، ونَدَب إلى إظهاره حتى استَحَبَّ فيه الدُّفَّ، والصوت، والوليمة؛ لأن في الإخلال بذلك ذريعةً إلى وقوع السفاح بصورة النكاح، وزوالى بعض مقاصد النكاح، من جحد الفراش، ثم أَكَّد ذلك بأن جعل للنكاح حريمًا من العدة، تزيد على مقدار الاستبراء، وأثبت له أحكامًا من المصاهرة، وحرمتها، ومن الموارثة زائدةً على مجرد الاستمتاع، فعلم أن الشارع جعله سببًا، ووصله بين الناس بمنزلة الرحم، كما جَمَعَ بينهما في قوله: {بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: ٥٤]، وهذه المقاصد تمنع شَبَهَهُ بالسفاح، وتُبَيِّن أن نكاح المحلِّل بالسفاح أشبه منه بالنكاح (١).

(الوجه الثاني والعشرون): أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أن يجمع الرجل بين سَلَف وبيع (٢)، ومعلوم أنه لو أُفرد أحدهما عن الآخر صحَّ، وإنما ذاك لأن اقتران أحدهما بالآخر ذريعةٌ إلى أن يُقرضه ألفًا، ويبيعه سلعة تساوي ثمانمائة بألف أخرى، فيكون قد أعطاه ألفًا وسلعة بثمانمائة؛ ليأخذ منه ألفين، وهذا هو معنى الربا، فانظر إلى حمايته الذريعة إلى ذلك بكل طريق، وقد احتَجَّ بعض المانعين لمسألة مُدِّ عَجْوَة، بأن قال: إن مَن جَوَّزها يُجَوِّز أن يبيع الرجل ألف دينار في منديل بألف وخمسمائة مفردة، قال: وهذا ذريعةٌ إلى الربا، ثم قال: يجوز أن يُقرضه ألفًا، ويبيعه المنديل بخمسمائة، وهذا هو بعينه الذي نَهَى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو من أقرب الذرائع إلى الربا، ويلزم من لم يَسُدَّ الذرائع أن يخالف النصوص، ويجيز ذلك، فكيف يترك أمرًا، ويرتكب نظيره من كل وجه.

(الوجه الثالث والعشرون): أن الآثار المتظاهرة في تحريم الْعِينَة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وعن الصحابة - رضي الله عنهم -، تدل على المنع من عَوْد السلعة إلى البائع، وإن لم يتواطئا على الربا، وما ذاك إلا سدًّا للذريعة.

(الوجه الرابع والعشرون): أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مَنَعَ المقرض من قبول الهدية،


(١) أي لأن هذه الخصائص غير متيقّنة فيه، راجع: "مجموع الفتاوى" لابن تيميّة ٣/ ٢٦١.
(٢) حديث صحيح.