قال:(واعلم): أن مالكًا وأصحابه يقولون: إن كل هدي جاز الأكل منه للمهدي له أن يطعم منه من شاء من الأغنياء والفقراء، وكل هدي لا يجوز له الأكل منه فلا يجوز إطعامه إلا للفقراء الذين لا تلزمه نفقتهم، وكُره عندهم إطعام الذميين منه.
وأما هدي التطوع، فالظاهر أنه إن عطب في الطريق أُلقيت قلائده في دمه، وخُلِّي بينه وبين الناس، وإن كان له سائق مُرْسَل معه لم يأكل منه هو ولا أحد من رفقته، وليس لصاحبه الأكل منه عند مالك وأصحابه، وهو ظاهر مذهب أحمد، وليس عليه بدله؛ لأنه لم يتعلق بذمته، وأما مذهب الشافعيّ، وأصحابه، فهو أن هدي التطوع باق على ملك صاحبه، فله ذبحه، وأكله، وبيعه، وسائر التصرفات فيه، ولو قلده؛ لأنه لم يوجد منه إلا نية ذبحه، والنية لا تزيل ملكه عنه حتى يذبحه بمحله، فلو عَطِب في الطريق فلمهديه أن يفعل به ما يشاء، من بيع، وأكل، وإطعام؛ لأنه لم يزل في ملكه، ولا شيء عليه في شيء من ذلك.
وأما مذهب أبي حنيفة في هدي التطوع، إذا عطب في الطريق قبل بلوغ محله، فهو أنه لا يجوز لمهديه الأكل منه، ولا لغني من الأغنياء، وإنما يأكله الفقراء.
قال: ووجه قول من قال: إن هدي التطوع إذا عطب في الطريق لا يجوز لمهديه أن يأكل منه، هو أن الإذن له في الأكل جاء النصّ به بعد بلوغه محله، أما قبل بلوغه محله فلم يأت الإذن بأكله، ووجه خصوص الفقراء به؛ لأنه حينئذ يصير صدقة لأن كونه صدقة خير من أن يُترك للسباع تأكله، هكذا قالوا، والعلم عند الله تعالى. انتهى (١).
وأما حكم الهدي الواجب إذا عطب قبل محله فقال الخرقيّ رحمه اللهُ: من ساق هديًا واجبًا فعطب دون محله صنع به ما شاء، وعليه مكانه، قال ابن قدامة رحمه اللهُ: الواجب من الهدي قسمان:
أحدهما: ما وجب بالنذر في ذمته، والثاني ما وجب بغيره، كدم التمتع