للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حيث قال بعد أن نحر خمس بدنات، أو ستًّا: "من شاء اقتطع" (١)، وهو حديث صحيح، فبيّن أن المطلوب هو النحر، ثم التخلية بينه وبين مستحقيه، لا تفريقه بينهم، فتأمل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم فيما إذا ضل الهدي المعيّن، فذبح غيره، ثم وجد الضالّ.

قال العلّامة ابن قدامة رحمه اللهُ: وإن ضلّ المعيّن، فذبح غيره، ثم وجده، أو عين غير الضالّ بدلًا عما في الذمة، ثم وجد الضالّ ذبحهما معًا، رُوي ذلك عن عمر، وابنه، وابن عباس -رضي الله عنهم-، وفعلته عائشة -رضي الله عنها-، وبه قال مالك، والشافعيّ، وإسحاق، ويتخرج على قولنا فيما إذا تعيب الهدي فأبدله، فإن له أن يصنع به ما شاء أن يرجع إلى ملك أحدهما، لأنه قد ذبح ما في الذمة، فلم يلزمه شيء آخر، كما لو عطب المعيّن، وهذا قول أصحاب الرأي.

ووجه الأول ما رُوي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها أهدت هديين، فأضلتهما فبعث إليها ابن الزبير هديين، فنحرتهما، ثم عاد الضالان فنحرتهما، وقالت: هذه سنة الهدي، رواه الدارقطنيّ، وهذا منصرف إلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولأنه تعلق حق الله بهما بإيجابهما أو ذبح أحدهما، وإيجاب الآخر. انتهى كلام ابن قدامة رَحمه اللهُ (٢).

قال الشنقيطي بعد ذكره ما تقدّم: وليس في المسألة شيء مرفوع، والأحوط ذبح الجميع كما ذكرنا أنه الأظهر والعلم عند الله تعالى، ثم قال: إن الهدي إن كان معيّنًا بالنذر من الأصل بأن قال: نذرت إهداء هذا الهدي بعينه أو معيّنًا تطوعًا، إذا رآه صاحبه في حالة يغلب على الظن أنه سيموت فإنه تلزمه ذكاته، وإن فرّط فيها حتى مات كان عليه ضمانه، لأنه كالوديعة عنده، أما لو مات بغير تفريطه أو ضل أو سُرق فليس عليه بدل عنه؛ لأنه لم يتعلق الحق بذمته بل بعين الهدي، والأظهر عندي إن لزمه بدله بتفريطه أنه يشتري هديًا مثله وينحره بالحرم بدلًا عن الذي فرّط فيه، وإن قيل بأنه يلزمه التصدق بقيمته على


(١) رواه أبو داود، وغيره، وصححه ابن خزيمة.
(٢) "المغني" ٣/ ٢٨٥.