مساكين الحرم فله وجه من النظر، والله أعلم، ولا نص في ذلك. انتهى كلام الشيخ الشنقيطيّ رحمه اللهُ، وهو بحثٌ جيّد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم فيما يجوز الأكل منه من الهدايا إذا بلغت محلها، وما لا يجوز:
(اعلم): أنهم اختلفوا في ذلك، فذهب مالك، وأصحابه إلى جواز الأكل من جميع الهدي واجبه وتطوعه إذا بلغ محله إلا ثلاثة أشياء: جزاء الصيد، وفدية الأذى، والنذر الذي هو للمساكين.
وذهب أحمد في المشهور عنه إلى أنه لا يؤكل من الهدايا إلا دم التمتع والقران والتطوع، وبه قالت الحنفية.
قال في "الفتح" -عند شرح ما رواه البخاريّ عن ابن عمر معلقًا: أنه قال: لا يؤكل من جزاء الصيد، والنذر، ويؤكل من سوى ذلك-: وهذا القول إحدى الروايتين عن أحمد، وهو قول مالك، وزاد: إلا فدية الأذى، والرواية الأخرى عن أحمد: لا يؤكل إلا من هدي التطوع، والتمتع، والقران، وهو قول الحنفية؛ بناءً على أصلهم أن دم التمتع والقران دم نسك، لا دم جبران. انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه اللهُ: المذهب أنه يأكل من هدي التمتع، والقران، دون ما سواهما، نصّ عليه أحمد، قال: وهذا قول أصحاب الرأي، وعن أحمد أنه لا يأكل من المنذور، وجزاء الصيد، ويأكل مما سواهما، وهو قول ابن عمر، وعطاء، والحسن، وإسحاق؛ لأن جزاء الصيد بدل، والنذر جعله لله تعالى، بخلاف غيرهما.
وقال ابن أبي موسى: لا يأكل أيضًا من الكفارة، ويأكل مما سوى هذه الثلاثة، ونحوه مذهب مالك؛ لأن ما سوى ذلك لم يسمّه للمساكين، ولا مدخل للإطعام فيه، فأشبه التطوع.
وقال الشافعيّ: لا يأكل من واجب؛ لأنه هدي وجب بالإحرام، فلم يجز الأكل منه، كدم الكفارة.
قال ابن قُدامة: ولنا أن أزواج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- تمتعن معه في حجة الوداع،