وأدخلت عائشة الحج على العمرة، فصارت قارنة، ثم ذبح عنهن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- البقرة، فأكلن من لحومها، قال أحمد: قد أكل من البقرة أزواج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في حديث عائشة -رضي الله عنها- خاصة.
وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعمرة إلى الحج، فساق الهدي من ذي الحليفة. متفق عليه.
وقد ثبت أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أمر من كل بدنة ببضعة، فجُعِلت في قِدْر، فأكل هو وعليّ من لحمها، وشربا من مرقها. رواه مسلم.
ولأنهما دماء نسك فأشبها التطوع، ولا يؤكل من غيرهما؛ لأنه يجب بفعل محظور، فأشبه جزاء الصيد، فأما هدي التطوع، وهو ما أوجبه بالتعيين ابتداء من غير أن يكون عن واجب في ذمته، وما نحره تطوعًا من غير أن يوجبه، فيستحب أن يأكل منه؛ لقول الله تعالى:{فَكُلُوا مِنْهَا}[الحج: ٢٨]، وأقل أحوال الأمر الاستحباب، ولأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أكل من بُدنه، وقال جابر -رضي الله عنه-: كنا لا نأكل من بُدننا فوق ثلاث، فرخص لنا النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال:"كلوا، وتزوّدوا"، فأكلنا وتزوّدنا، رواه البخاريّ، وإن لم يأكل فلا بأس، فإن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لما نحر البدنات الخمس قال:"من شاء اقتطع"، ولم يأكل منهن شيئًا. انتهى.
قال الشيخ الشنقيطيّ رحمه اللهُ -بعد ذكر مذاهب الأئمة-: الذي يرجحه الدليل في هذه المسألة هو جواز الأكل من هدي التطوع، وهدي التمتع، والقران دون غير ذلك، والأكل من هدي التمتع لا خلاف فيه بين العلماء بعد بلوغه محله، وإنما خلافهم في استحباب الأكل منه، أو وجوبه، ومعلوم أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ثبت عنه في الأحاديث الصحيحة في حجة الوداع أنه أهدى مائة من الإبل، ومعلوم أن ما زاد على الواحدة منها تطوُّع، وقد أكل منها، وشرب من مرقها جميعًا.
وأما الدليل على الأكل من هدي التمتع والقران، فهو ما ثبت في "الصحيحين" أن أزواج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ذبح عنهن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقرة، ودُخِل عليهن بلحمه، وهن متمتعات، وعائشة منهن قارنة، وقد أكلن جميعًا مما ذُبح عنهنّ في تمتعهن، وقرانهن بأمره -صلى الله عليه وسلم-، وهو نص صحيح صريح في جواز الأكل من هدي التمتع والقران.