وكراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم، وليلتها بالقيام سدًّا لذريعة اتخاذ شَرْع لم يأذن به الله من تخصيص زمان، أو مكان بما لم يَخُصّه به، ففي ذلك وقوعٌ فيما وقع فيه أهل الكتاب.
(الوجه الأربعون): أن الشروط المضروبة على أهل الذمة تضمنت تمييزهم عن المسلمين في اللباس والشعور والمراكب وغيرها؛ لئلا تُفضي مشابهتهم إلى أن يعامَل الكافر معاملة المسلم، فَسَدَّت هذه الذريعةَ بإلزامهم التميز عن المسلمين.
(الوجه الحادي والأربعون): أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ ناجية بن كعب الأسلميّ، وقد أرسل معه هدية، إذا عَطِبَ منه شيء دون المحل أن ينحره، ويصبُغ نعله التي قلَّده بها في دمه، ويُخَلِّي بينه وبين الناس، ونهاه أن يأكل منه هو أو أحد من أهل رُفقته، قالوا: وما ذاك إلا لأنه لو جاز أن يأكل منه، أو يُطْعِم أهل رُفقته قبل بلوغ المحل، فربما دعاه ذلك إلى أن يُقَصِّر في عَلَفها، وحفظها؛ لحصول غرضه من عَطَبها دون المحل، كحصوله بعد بلوغ المحل من أكله هو ورفقته، وإهدائهم إلى أصحابهم، فإذا أَيِسَ من حصول غرضه في عطبها كان ذلك أدعى إلى حفظها، حتى تبلغ محلها، وأَحْسَمَ لمادّة هذا الفساد، وهذا من ألطف أنواع سدِّ الذرائع.
(الوجه الثاني والأربعون): أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ الملتقط أن يُشْهِد على اللقطة، وقد عُلِم أنه أمين، وما ذاك إلا سَدًّا لذريعة الطمع والكتمان، فإذا بادر وأشهد، كان أحسم لمادة الطمع والكتمان، وهذا أيضًا من ألطف أنواعها.
(الوجه الثالث والأربعون): أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا تقولوا: ما شاء الله، وشاء محمد"، وذَمَّ الخطيب الذي قال:"من يُطع الله ورسوله، فقد رشد، ومن عصاهما فقد غَوَى"، سدًّا لذريعة التشريك في المعنى بالتشريك في اللفظ، وحسمًا لمادة الشرك حتى في اللفظ، ولهذا قال للذي قال له: ما شاء الله وشئت: "أجعلتني لله نِدًّا؟ "، فحَسَمَ مادّة الشرك، وسَدَّ الذريعة إليه في اللفظ، كما سَدَّها في الفعل والقصد، فصلاة الله وسلامه عليه وعلى آله أكملَ صلاة وأتمّها وأزكاها وأعمّها.
(الوجه الرابع والأربعون): أنه - صلى الله عليه وسلم - أَمَر المأمومين أن يُصَلُّوا قعودًا إذا