صَلَّى إمامهم قاعدًا، وقد تواتر عنه ذلك، ولم يجئ عنه ما ينسخه، وما ذاك إلا سدًّا لذريعة مشابهة الكفار، حيث يقومون على ملوكهم، وهم قعود، كما علَّله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، وهذا التعليل منه يُبطل قول من قال: إنه منسوخ، مع أن ذلك دعوى لا دليل عليها (١).
(الوجه الخامس والأربعون): أنه - صلى الله عليه وسلم - أَمَر المصلي بالليل إذا نَعَس أن يذهب، فيَرقُد، وقال:"لعله يذهب يستغفر، فيسب نفسه"، فأمره بالنوم؛ لئلا تكون صلاته في تلك الحال ذريعة إلى سَبِّه لنفسه، وهو لا يشعر، لغلبة النوم.
(الوجه السادس والأربعون): أن الشارع - صلوات الله عليه - نَهَى أن يَخْطُب الرجل على خِطْبة أخيه، أو يستام على سَوْم أخيه، أو يبيع على بيع أخيه، وما ذاك إلا لأنه ذريعة إلى التباغض والتعادي، فقياس هذا أنه لا يستأجر على إجارته، ولا يخطب ولايةً ولا منصبًا على خطبته، وما ذاك إلا لأنه ذريعة إلى وقوع العداوة والبغضاء بينه وبين أخيه.
(الوجه السابع والأربعون): أنه نَهَى عن البول في الْجُحْر، وما ذاك إلا لأنه قد يكون ذريعةً إلى خروج حيوان يؤذيه، وقد يكون من مساكن الجنّ، فيؤذيهم بالبول، فربما آذوه.
(الوجه الثامن والأربعون): أنه نَهَى عن البراز في قارعة الطريق، والظلّ، والموارد؛ لأنه ذريعة لاستجلاب اللَّعْن، كما عَلَّل به - صلى الله عليه وسلم - بقوله:"اتقوا الملاعن الثلاث"، وفي لفظ:"اتقوا اللاعنين"، قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال:"الذي يتخلى في طريق الناس، وفي ظلهم".
(الوجه التاسع والأربعون): أنه نهاهم إذا أقيمت الصلاة أن يقوموا حتى يروه قد خرج؛ لئلا يكون ذلك ذريعةً إلى قيامهم لغير الله، ولو كانوا إنما يقصدون القيام للصلاة، لكن قيامهم قبل خروج الإمام ذريعةٌ، ولا مصلحة فيها، فَنُهُوا عنه.
(الوجه الخمسون): أنه نَهَى أن توصل صلاة بصلاة الجمعة، حتى يَتَكَّلم، أو يَخْرُج؛ لئلا يُتَّخَذ ذريعةً إلى تغيير الفرض، وأن يزاد فيه ما ليس
(١) سيأتي تحقيق المسألة في محلّه من "كتاب الصلاة" - إن شاء الله تعالى -.