للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"لعلها تحبسنا ألم تكن طافت معكن؟ "، قالوا: بلى. وسأذكر بقية اختلاف ألفاظ هذه القصة في آخر الباب إن شاء الله تعالى (فَقَالُوا) القائلة هي عائشة -رضي الله عنها-، كما بيّنه البخاريّ في "صحيحه" من رواية الأعرج، عن أبي سلمة، ولفظه: "فأراد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- منها ما يُريد الرجل من أهله، فقلت: يا رسول الله إنها حائض … " الحديث (إِنَّهَا حَائِضٌ) بدون هاء التأنيث؛ لأنه وصف خاصّ بالنساء، فلا يحتاج إلى فارق، وجاء أيضًا حائضة، وجمع الأول حُيّضٌ، مثلُ راكع ورُكّع، وجمع الثاني: حائضات، مثلُ قائمة وقائمات (١). (يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("وَأِنَّهَا لَحَابِسَتُنَا؟ ") أي مانعتنا من التوجه من مكة في الوقت الذي أردنا التوجه فيه؛ ظَنًّا منه -صلى الله عليه وسلم- أنها ما طافت طواف الإفاضة، وإنما قال ذلك: لأنه كان لا يتركها، ويتوجه، ولا يأمرها بالتوجه معه، وهي باقية على إحرامها، فيحتاج إلى أن يُقيم حتى تطهر، وتطوف، وتَحِلّ الحلَّ الثاني، قاله في "الفتح" (٢).

وقال القرطبيّ رحمه اللهُ: فيه دليل على أن الكَرِيّ يُحبَس على التي حاضت، ولم تطف طوافَ الإفاضة حتى تطهر، وهو قول مالك، وقال الشافعيّ: لا يُحبس عليها الكريّ، ولْتُكْرِ جملها، أو تحمل مكانها غيرها، وهذا كله في الأمن، ووجود ذي المحرم، وأما مع الخوف، أو عدم ذي المحرم؛ فلا يُحبَس باتفاق؛ إذ لا يمكن أن يسير بها وحدها، ويُفسخ الكراء، ولا يحبس عليها الرفقة، إلا أن يبقى لطهرها كاليوم، والله أعلم. انتهى (٣).

(فَقَالُوا) أي الحاضرون، ومنهم عائشة -رضي الله عنها-، وسيأتي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لصفيّة -رضي الله عنها-: "إنك لحابستنا، ثم قال لها: أكنت أفضت يوم النحر؟ قالت: نعم، قال: فانفري" (يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهَا قَدْ زَارَتْ يَوْمَ النَّحْرِ) أي أَدّت طواف الزيارة فيه، قال النوويّ رحمه اللهُ: فيه دليل لمذهب الشافعيّ، وأبي حنيفة، وأهل العراق أنه لا يُكره أن يقال لطواف الإفاضة: طواف الزيارة، وقال مالك: يُكره، وليس للكراهة حجةٌ تُعْتَمَد. انتهى (٤). (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("فَلْتَنْفِرْ مَعَكُمْ") وفي


(١) راجع: "المصباح المنير" ١/ ١٥٩.
(٢) "الفتح" ٤/ ٧١٩.
(٣) "المفهم" ٣/ ٤٢٨.
(٤) "شرح النوويّ" ٩/ ٨١.