للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ عَائِشَةَ) -رضي الله عنها- أنها (قَالَتْ: لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَنْفِرَ) من باب ضرب في اللغة العالية، وبها قرأ السبعة، ونفَرَ نُفُورًا من باب قَعَدَ لغةٌ، وقُرئ بمصدرها في قوله تعالى: {إِلَّا نُفُورًا}، قاله الفيّوميّ رَحمه اللهُ (١).

قال في "الفتح": قوله: "لمّا أراد أن ينفر" هذا يُشعر بأن الوقت الذي أراد منها ما يريد الرجل من أهله كان بالقرب من وقت النفر من منى، واستشكله بعضهم (٢) بناءً على ما فهمه أن ذلك كان وقت الرحيل، وليس ذلك بلازم؛ لاحتمال أن يكون الوقت الذي أراد منها ما أراد سابقًا على الوقت الذي رآها فيه على باب خبائها الذي هو وقت الرحيل، بل ولو اتّحد الوقت لم يكن ذلك مانعًا من الإرادة المذكورة. انتهى (٣).

(إِذَا صَفِيَّةُ) "إذا" هي الْفُجائيَّة، أي فاجأه وجود صفية (عَلَى بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً) بفتح، فكسر، يقال: كَئِبَ يَكْأَبُ، من باب تَعِبَ كآبةً بمدّ الهمزة، وكَأَبًا، وكَأبَةً، مثلُ سَبَبٍ، وتَمْرَةٍ: حَزِنَ أشدّ الحزن، فهو كَئِبٌ، وكَئِيبٌ (٤)، فقوله: (حَزِينَةً) تأكيد لمَا قبله (فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("عَقْرَى، حَلْقَى) -بالفتح فيهما، ثم السكون، وبالقصر، بغير تنوين- هكذا في الرواية، ويجوز في اللغة التنوين، وصوّبه أبو عبيد؛ لأن معناه الدعاء بالعَقْر والْحَلْق، كما يقال: سَقْيًا، ورَعْيًا، ونحو ذلك من المصادر التي يُدعى بها، وعلى الأول هو نعت لا دُعاء، ثم معنى عقرى: عقرها الله، أي جرحها، وقيل: جعلها عاقرًا لا تَلِد، وقيل: عقر قومها، ومعنى حلقى: حَلَقَ شعرها، وهو زينة المرأة، أو أصابها وجع في حلقها، أو حَلق قومها بشؤمها، أي أهلكهم، وحَكَى القرطبي أنها كلمة تقولها اليهود للحائض، فهذا أصل هاتين الكلمتين، ثم اتَّسع العرب في قولهما بغير إرادة حقيقتهما، كما قالوا: قاتله الله، وتربت يداه، ونحو ذلك، قال القرطبيّ


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٦١٧.
(٢) هو الحافظ وليّ الدين العراقي رحمه الله، راجع: ما كتبه في "شرح التقريب" ٥/ ١٢٨، ١٢٩.
(٣) "الفتح" ٤/ ٦٢٢.
(٤) "المصباح المنير" ٢/ ٥٤٥.