للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وغيره: شَتّان بين قوله -صلى الله عليه وسلم- هذا لصفية، وبين قوله لعائشة لما حاضت معه في الحج: "هذا شيء كتبه الله على بنات آدم "؛ لِما يُشعر به من الميل لها، والحنوّ عليها، بخلاف صفية.

قال الحافظ رحمه اللهُ: وليس فيه دليلٌ على اتّضاع قدر صفية عنده، لكن اختَلَف الكلام باختلاف المقام، فعائشة دخل عليها، وهي تبكي أسَفًا على ما فاتها من النسك، فسلّاها بذلك، وصفية أراد منها ما يريد الرجل من أهله، فأبدت المانع، فناسب كلًّا منهما ما خاطبهما به في تلك الحالة. انتهى كلام الحافظ رحمه الله، وهو تحقيقٌ نفيسٌ.

(إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا") أي لمانعتنا من الخروج إلى المدينة (ثُمَّ قَالَ لَهَا: "أكُنْتِ أفَضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: "فَانْفِرِي") هو بيان لقوله في الرواية الماضية: "فلا إذًا وفي رواية أبي سلمة عند البخاريّ: "قال: اخرجوا وفي رواية عمرة: "قال: اخرجي"، وفي رواية الزهري عن عروة، عن عائشة الماضية: "فلتنفر"، ومعانيها متقاربة، والمراد بها كلِّها: الرحيل من منى إلى جهة المدينة.

وفي أحاديث الباب: أن طواف الإفاضة ركنٌ، وأن الطهارة شرط لصحة الطواف، وأن طواف الوداع واجب، وقد تقدم كلّ ذلك مفصّلًا.

قال في "الفتح": واستُدِلّ به على أن أمير الحاج يلزمه أن يؤخر الرحيل؛ لأجل من تحيض، ممن لم تطف للإفاضة.

وتُعُقِّب باحتمال أن تكون إرادته -صلى الله عليه وسلم- تأخير الرحيل إكرامًا لصفية، كما احتبس بالناس على عقد عائشة، وأما الحديث الذي أخرجه البزار من حديث جابر -رضي الله عنه-، وأخرجه البيهقيّ في "فوائده" من طريق أبي هريرة -رضي الله عنه-، مرفوعًا: "أميران، وليسا بأميرين: من تبع جنازة، فليس له أن ينصرف حتى تُدْفَن، أو يَأذن أهلها، والمرأة تحجّ، أو تعتمر مع قوم، فتحيض قبل طواف الركن، فليس لهم أن ينصرفوا حتى تطهر، أو تأذن لهم"، فلا دلالة فيه على الوجوب إن كان صحيحًا، فإن في إسناد كل منهما ضعفًا شديدًا.

وقد ذكر مالك في "الموطإ" أنه يلزم الجمّال أن يحبس لها إلى انقضاء أكثر مدة الحيض، وكذا على النفساء، واستشكله ابن الموّاز بأن فيها تعريضًا للفساد، كقطع الطريق، وأجاب عياض بأن محل ذلك مع أمن الطريق، كما أن