الكعبة في عمرته؛ لِما كان في البيت من الأصنام، والصور، وكان إذ ذاك لا يتمكن من إزالتها، بخلاف عام الفتح. ويَحْتَمِل أن يكون -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك لعائشة -رضي الله عنها- بعد رجوعه، فليس في السياق ما يمنع ذلك، ونُقل عن جماعة من العلماء أنه لم يدخل الكعبة في حجته، أفاده في "الفتح"(١).
قال الجامع عفا الله عنه: الاحتمال الذي ذكره الحافظ بأنه قال لها ذلك في المدينة، وأنه ليس في السياق ما يمنعه، عندي بعيد، بل السياق يأباه، إلا بتكلف، فإن قوله:"خرج من عندها، وهو قرير العين، ثم رجع وهو كئيب" ظاهر في كون ذلك في مكة، والقول بأنه لم يدخل في حجته البيت لا دليل عليه، فالظاهر ما جزم به البيهقيّ، من أنه دخل في حجته، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في حكم الصلاة في الكعبة: قال الحافظ وليّ الدين العراقيّ -رحمه الله- ما حاصله: في هذا الحديث جواز الصلاة في الكعبة، وهذه الصلاة، وإن كانت نافلة، فالفريضة في معناها؛ لأن الأصل استواء الفرض والنفل في الأركان والشرائط، إلا ما استثني بدليل.
وبهذا قال الشافعيّ، والثوريّ، وأبو حنيفة، وأحمد، والجمهور، كما حكاه النوويّ.
وقال الترمذيّ: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم لا يرون بالصلاة في الكعبة باسًا، وقال مالك بن أنس: لا بأس بالصلاة النافلة في الكعبة، وكَرِه أن تصلى المكتوبة في الكعبة، وقال الشافعيّ: لا بأس أن تصلى المكتوبة، والتطوع في الكعبة؛ لأن حكم المكتوبة والنافلة في الطهارة والقبلة سواء. انتهى.
وقال بجواز الصلاة مطلقًا في الكعبة من المالكية: أشهب، وصححه منهم ابن العربيّ، وابن عبد البرّ، والمشهور من مذهب مالك جواز صلاة النافلة فيها، والمنع من الفرض، والسنن؛ كالوتر، وركعتي الفجر، وركعتي الطواف.
وقَيّد ابن بطال عنه ذلك بالطواف الواجب، وإطلاق الترمذيّ عن مالك