الشافعيّ -رحمه الله-: وأستحب دخول البيت إن كان لا يؤذي أحدًا بدخوله، ورَوَى أبو داود، والترمذيّ، وابن ماجه، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: خرج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من عندي، وهو قرير العين، طيِّب النفس، فرجع إليّ، وهو حزين، فقلت له، فقال:"إني دخلت الكعبة، ووددت أني لم أكن فعلت، إني أخاف أن أكون أتعبت أمتي من بعدي"، لفظ الترمذيّ، وقال: حسن صحيح، ورواه الحاكم في "مستدركه"، وصححه، ولعلّ معناه: إتعابهم بتجشم المشقة في الدخول، مع تعسّر ذلك.
قال الجامع عفا الله عنه: قول الترمذيّ: "حسن صحيح"، وكذا تصحيح الحاكم فيه نظر، بل هو ضعيف؛ لأن في سنده إسماعيل بن عبد الملك، قال عنه أحمد: منكر الحديث.
وفي "مصنف ابن أبي شيبة" عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: يا أيها الناس إن دخولكم البيت ليس من حجكم في شيء، وعن إبراهيم النخعيّ في الحاج: إن شاء دخل الكعبة، وإن شاء لم يدخلها، وعن خيثمة: لا يضرك والله أن لا تدخله، وعن عطاء: إن شئت فلا تدخله، قال وليّ الدين -رحمه الله-: وما ذكره هؤلاء لا ينافي استحباب دخوله، وإنما ذكروا ذلك؛ لئلا يتوهم وجوبه أيضًا، فإنه ليس من جملة المناسك، بل هو مستحبّ مستقل، والله أعلم. انتهى (١).
وقال في "الفتح": وحَكَى القرطبيّ عن بعض العلماء أن دخول البيت من مناسك الحج.
وردّه بأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنما دخله عام الفتح، ولم يكن محرمًا.
قال: وأما ما رواه أبو داود، والترمذي، وصححه هو، وابن خزيمة، والحاكم عن عائشة -رضي الله عنها-: أنه خرج من عندها وهو قرير العين، ثم رجع وهو كئيب، فقال:"دخلت الكعبة، فأخاف أن أكون شققت على أمتي"، فقد يُتَمَسّك به لصاحب هذا القول المحكيّ؛ لكن عائشة لم تكن معه في الفتح، ولا في عمرته، بل ثبت أنه لم يدخل في الكعبة في عمرته، فتعيّن أن القصة كانت في حجته، وهو المطلوب، وبذلك جزم البيهقيّ، وإنما لم يدخل في