والثوريّ: يصلي في الكعبة الفرض والنوافل كلها، وقال الشافعيّ: إن صلى في جوفها مستقبلًا حائطًا من حيطانها فصلاته جائزة، وإن صلى نحو الباب، والباب مفتوح فصلاته باطلة؛ لأنه لم يستقبل منها شيئًا.
وقال مالك: من صلى على ظهر الكعبة مكتوبةً أعاد في الوقت، وقد رُوي عن بعض أصحاب مالك: يُعيد أبدًا، وقال أبو حنيفة: من صلى على ظهر الكعبة فلا شيء عليه، واختَلَف أهل الظاهر فيمن صلى في الكعبة، فقال بعضهم: صلاته جائزة، وقال بعضهم: لا صلاة له في نافلة ولا فريضة؛ لأنه قد استدبر بعض الكعبة، واحتج قائل هذه المقالة بقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: أُمر الناس أن يصلّوا إلى الكعبة، ولم يؤمروا أن يصلّوا فيها.
قال أبو عمر: لا يصحٍ في هذه المسألة إلا أحد قولين: إما أن يكون من صلى في الكعبة صلاته تامة، فريضة كانت أو نافلة؛ لأنه قد استقبل بعضها، وليس عليه إلا ذلك، أو تكون صلاته فاسدةً، فريضةً كانت أو نافلةً من أجل أنه لم يحصل له استقبال بعضها، إذا صلى داخلها إلا باستدبار بعضها، ولا يجوز ذلك عند من ذهب إلى أن الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده في كل باب، والصواب من القول في هذا الباب عندي قول من أجاز الصلاة كلها في الكعبة، إذا استقبل شيئًا منها؛ لأنه قد فَعَلَ ما أُمر به، ولم يأت ما نُهِي عنه؛ لأن استدبارها ههنا ليس بضدّ استقبالها؛ لأنه ثابت معه في بعضها، والضد لا يثبت مع ضده، ومعلوم أن المأمور باستقبال الكعبة لم يؤمر باستقبال جميعها، وإنما توجه الخطاب إليه باستقبال بعضها، والمصلي في جوفها قد استقبل جهة منها، وقطعةً وناحيةً، فهو مستقبل لها بذلك، وقد ثبت عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى فيها ركعتين، وهو المبيّن عن الله مراده، وكل موضع يجوز فيه صلاة النافلة جازت فيه صلاة الفريضة قياسًا ونظرًا؛ إلا أن يمنع من ذلك ما يجب التسليم له، على أنه لا يجب لأحد أن يتعمد صلاة الفريضة فيها، ولو صلى فيها ركعتين نافلة لم يكن بذلك بأس، فإن صلى أحد فيها فريضة فلا حرج، ولا إعادة.
[فإن قيل]: إن النافلة قد تجوز على الدابة للمسافر إلى غير القبلة، ولا تجوز كذلك الفريضة، فلم قيست النافلة على الفريضة؟