[قيل له]: ذلك موضع خصوص بالسنّة؛ لضرورة السفر، كما تجوز صلاة الفريضة للخائف المطلوب راكبًا، مستقبل القبلة، وغير مستقبلها؛ لضرورة الخوف، وليس ذلك بمبيح له الصلاة المفروضة على الدابة في حال الأمن من غير ضرورة، ولا بمبيح ذلك له ترك استقبال القبلة من غير ضرورة، وكذلك الصلاة على الدابة للمتطوع المسافر ليس ذلك بمبيح له الصلاة النافلة، ولا الفريضة على الأرض إلى غير القبلة في الحضر؛ لأنها في السفر حال ضرورة خُصَّت بالسنة، والإجماع، وأما غير ذلك مما تنازع فيه العلماء من هذا الباب، فالواجب أن لا يُفَرَّق فيه بين صلاة النافلة والفريضة، كما أنها لا تفترق في الطهارة، واستقبال القبلة، وقراءة القرآن، والسهو، وسائر الأحكام، وبالله التوفيق. انتهى كلام ابن عبد البرّ -رحمه الله- (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: لقد أجاد الإمام ابن عبد البرّ -رحمه الله- في هذا البحث، وأعطى المسألة حقّها بما لا مجال للتعليق عليه.
والحاصل أن ما صححه -رحمه الله- من تصحيح الصلاة في الكعبة مطلقًا، كما هو رأي الجمهور هو الصواب الذي لا محيد عنه؛ لقوّة حجته، وأما الأقوال الأخرى فمما لا دليل عليها، فلا ينبغي الالتفات إليها، ولا الاشتغال بها، فتبصر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): في اختلاف الروايات في إثبات صلاته -صلى الله عليه وسلم- في الكعبة:
(اعلم) أن هذه الرواية فيها إثبات صلاته -صلى الله عليه وسلم- فيها.
وفي "الصحيحين" عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل البيت، فكبّر في نواحيه، ولم يصلّ فيه"، ولفظ مسلم:"ودعا، ولم يصلّ".
وإنما تلقى ابن عباس ذلك عن أسامة بن زيد، ففي "صحيح مسلم" عنه: أخبرني أسامة بن زيد: "أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها، ولم يصلّ فيه حتى خرج، فلما خرج ركع في قبل البيت ركعتين، وقال: هذه القبلة".