والعمل على الإثبات، فإنه مقدم على النفي، قال ابن بطال: الآثار أنه صلى أكثر، ولو تساوت في الكثرة، لكان الأخذ بالمثبت أولى من النافي، فقد رَوَى أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى في البيت غيرَ بلال جماعةٌ، منهم: أسامة بن زيد، وعمر بن الخطاب، وجابر، وشيبة بن عثمان، وعثمان بن طلحة، من طُرُق حِسَان، ذكرها الطحاوي كلها في "شرح معاني الآثار".
وقال ابن عبد البرّ: رواية أنه صلى أولى من رواية أنه لم يصلّ؛ لأنها زيادة مقبولة، وليس قول من قال: لم يفعل بشهادة.
وقال النوويّ: أجمع أهل الحديث على الأخذ برواية بلال؛ لأنه مثبت، فمعه زيادة عِلم، فوجب ترجيحه، وكذا حَكَى ابن العربي عن العلماء، ثم قال: وهذا إنما يكون لو كان الخبر عن اثنين، فأما وقد اختلف قول ابن عمر، فأثبت مرة، ونفى أخرى، وقول النفي رواية ابن عباس، فلا أدري ما هذا؟ انتهى.
قال وليّ الدين -رحمه الله-: وفيه نظر من وجهين:
[أحدهما]: أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون الخبر عن واحد، أو اثنين، فالإثبات مقدم، ولو كان الاختلاف على واحد.
[الثاني]: أن ذِكر ابن عمر سهو، فإنه لم يرد عنه النفي، ولعله أراد أسامة، فسبق قلمه إلى ابن عمر.
فأما نفي أسامة، فقد سبق، وأما إثباته، فروى الإمام أحمد في "مسنده" عن أبي الشعثاء، قال: خرجت حاجًّا، فجئت حتى دخلت البيت، فلما كنت بين الساريتين مضيت حتى لزمت الحائط، فجاء ابن عمر، فصلى أربعًا، فلما صلى، قلت له: أين صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من البيت؟ فقال: أخبرني أسامة بن زيد أنه صلى ههنا، فقلت: كم صلى؟ فقال: على هذا أجدني ألوم نفسي، إني مكثت معه عمرًا، فلم أساله، كم صلى؟ ".
ويوافق هذه الرواية لفظ رواية مسلم من رواية عبد الله بن عون، عن نافع، عن ابن عمر، فإن فيها بعد ذكر أسامة، وبلال، وعثمان: "فقلت: أين صلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؟ قالوا: ههنا، قال: ونسيت أن أسألهم، كم صلى؟ " ومقتضاها