للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القاضي عياض -رحمه الله-: ليس هذا اللفظ من ابن عمر -رضي الله عنهما- على سبيل التضعيف لروايتها، والتشكيك في صدقها وحفظها، فقد كانت من الحفظ والضبط بحيث لا يُستراب في حديثها، ولا فيما تنقله، ولكن كثيرًا ما يقع في كلام العرب صورة التشكيك والتقرير، والمراد به اليقين، كقوله تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (١١١)} [الأنبياء: ١١١]، وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ} الآية [سبأ: ٥٠] (١).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قول ابن عمر -رضي الله عنهما- هذا ليس شكًّا منه في سماعها، ولا في سماع الراوي عنها، وإنما هذا على طريقة وضع الشَّرطي المتصل الذي يوضع شرطه تقديرًا ليتبيّن مشروطه تحقيقًا، وله في كلام الله تعالى، وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- نظائر، منها: قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (٨١)} [الزخرف: ٨١]، وقوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢]، ومثله كثير، ولِبسط هذا وتحقيقه علمٌ آخر، وقد يأتي هذا النحو في الكلام على طريق تبيين الحال على وجهٍ يأنس به المخاطب، وإظهار التناصف في الكلام، كقوله تعالى: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠)} [سبأ: ٥٠]، وعلى الجملة: فالشرط يأتي في الكلام على غير وجه الشكِّ، وهو كثير. انتهى (٢).

(سَمِعَتْ، هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، مَا أُرَى) بضم الهمزة؛ أي: ما أظنّ (تَرْكَ اسْتِلَامِ الرُّكْنَيْنِ) أي: مسحهما، والسين فيه أصليّة، وهو افتعال من السِّلام، وهي الحجارة، يقال: استلم؛ أي: أصاب السِّلَام، وهي الحجارة، كذا ذكره السيوطيّ -رحمه الله-.

والمراد هنا مسح الركنين باليد؛ إذ لا يشرع التقبيل بالفم إلا للحجر الأسود (اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ) أي: يقربان (الْحِجْرَ) بكسر الحاء المهملة، وسكون الجيم، وهو معروف على صفة نصف الدائرة، وقدرها تسع وثلاثون ذراعًا، والقدر الذي أُخرج من الكعبة سيأتي بيان مقداره قريبًا -إن شاء الله تعالى- (إِلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ) بالبناء للمفعول، من التتميم، ووقع عند النسائيّ في


(١) "إكمال المعلم" ٤/ ٤٢٨ - ٤٢٩.
(٢) "المفهم" ٣/ ٤٣٥ - ٤٣٦.