للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القبض؛ لئلا يتخذ ذريعةً إلى التأجيل الذي هو أصل باب الربا، فحماهم من قربانه، باشتراط التقابض في الحال، ثم أوجب عليهم فيه التماثل، وأن لا يزيد أحد العوضين على الآخر، إذا كانا من جنس واحد، حتى لا يباع مُدٌّ جيدٌ بمدّين رديئين، وإن كانا يساويانه؛ سدًّا لذريعة ربا النساء الذي هو حقيقة الربا، وأنه إذا منعهم من الزيادة مع الحلول، حيث تكون الزيادة في مقابلة جودة، أو صفة، أو سكة، أو نحوهما، فَمَنْعُهُم منها حيث لا مقابل لها إلا مجرد الأجل أولى، فهذه هي حكمة تحريم ربا الفضل التي خَفِيت على كثير من الناس، حتى قال بعض المتأخرين: لا يتبين لي حكمة تحريم ربا الفضل، وقد ذكر الشارع هذه الحكمة بعينها، فإنه حَرَّمه سدًّا لذريعة ربا النَّسَاء، فقال في حديث تحريم ربا الفضل: "فإني أخاف عليكم الرَّمَا"، والرَّمَا (١) هو الربا، فتحريم الربا نوعان: نوع حُرِّم لما فيه من المفسدة، وهو ربا النسيئة، ونوع حُرِّم تحريم الوسائل، وسدًّا للذرائع، فظهرت حكمة الشارع الحكيم، وكمال شريعته الباهرة في تحريم النوعين، ويلزم مَن لم يعتبر الذرائع، ولم يأمر بسدها أن يجعل تحريم ربا الفضل تعبدًا محضًا، لا يُعْقَل معناه، كما صرح بذلك كثير منهم.

(الوجه الحادي والتسعون): أنه أبطل أنواعًا من النكاح الذي يتراضى به الزوجان؛ سدًّا لذريعة الزنا:

فمنها: النكاح بلا وليّ، فإنه أبطله سدًّا لذريعة الزنا، فإن الزاني لا يَعجِز أن يقول للمرأة: أنكحيني نفسك بعشرة دراهم، ويُشهِد عليها رجلين من أصحابه، أو غيرهم، فمنعها من ذلك سدًّا لذريعة الزنا.

ومن هذا تحريم نكاح التحليل الذي لا رغبة للنفس فيه، في إمساك المرأة، واتخاذها زوجة، بل له وَطَرٌ فيما يقضيه بمنزلة الزاني في الحقيقة، وإن اختلفت الصورة.

ومن ذلك تحريم نكاح المتعة الذي يَعقِد فيه المتمتع على المرأة مُدّةً، يقضي وطره منها فيها، فحَرَّم هذه الأنواع كلها سدًّا لذريعة السفاح، ولم يُبحِ إلا عَقْدًا مؤبدًا، يَقْصِد فيه كل من الزوجين المقام مع صاحبه، ويكون بإذن


(١) قال في "القاموس": "الرَّمَاءُ" كسماء: الربا اهـ.