للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(الوجه الثامن والثمانون): أنه نَهَى عن إدامة النظر إلى المجذومين، وهذا - والله أعلم - لأنه ذريعة إلى أن يصابوا بإيذائهم، وهي من ألطف الذرائع، وأهلُ الطبيعة يعترفون به، وهو جارٍ على قاعدة الأسباب، وأخبرني رجل من علمائهم أنه أجلس قرابة له، يكحل الناس، فَرَمِدَ، ثم برئ، فجلس يكحلهم، فَرَمِد مرارًا، قال: فعلمت أن الطبيعة تنتقل، وأنه من كثرة ما يفتح عينيه في أعين الرمِدِ نقلت الطبيعة الرَّمَدَ إلى عينيه، وهذا لا بد معه من نوع استعداد، وقد جُبِلَت الطبيعة والنفس على التشبه والمحاكاة.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: مسألة العدوى قد حقّقت القول فيها في شرح النسائيّ، ورجّحت أن حديث: "لا عدوى" على ظاهره، بدليل حديث: "فمن أعدى الأول"، وأما حديث: "فِرّ من المجذوم فرارك من الأسد" فمؤوّل بأوجه من التأويلات، منها: أن يحدث له ذلك الجذام فيسيء الظنّ بأنه إنما حصل له بسبب مخالطته له، فقطع الشارع عِرْق ذلك الظنّ بالأمر بالفرار عنه، وسيأتي تحقيق ذلك في موضعه - إن شاء الله تعالى -، فما ذكره ابن القيّم من قصّة أهل الطبيعة فظاهر في ميله إلى ترجيح القول بالعدوى، وأن ذلك من باب الأسباب، لكن الأرجح ما ذكرته لك، فتبصّر، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

(الوجه التاسع والثمانون): أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى الرجل أن ينحني للرجل، إذا لقيه كما يفعله كثير من المنتسبين إلى العلم، ممن لا علم له بالسنة، بل يبالغون إلى أقصى حدّ الإنحناء مبالغة في خلاف السنة؛ جهلًا حتى يصير أحدهم بصورة الراكع لأخيه، ثم يرفع رأسه من الركوع، كما يفعل إخوانهم من السجود بين يدي شيوخهم الأحياء والأموات، أخذوا من الصلاة سجودها، وأولئك ركوعها، وطائفة ثالثة قيامها يقوم عليهم الناس، وهم قعود، كما يقومون في الصلاة، فقاسمت الفِرَقُ الثلاث أجزاء الصلاة، والمقصود أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عن انحناء الرجل لأخيه سدًّا لذريعة الشرك، كما نَهَى عن السجود لغير الله، وكما نَهاهم أن يقوموا في الصلاة على رأس الإمام، وهو جالس، مع أن قيامهم عبادة لله تعالى، فما الظن إذا كان القيام تعظيمًا للمخلوق، وعبودية له فالله المستعان.

(الوجه التسعون): أنه حَرَّم التفرُّق في الصرف، وبيع الربوي بمثله قبل