جاور، واجتمع الباقون رغبة ورهبة، فكتبوا محضرًا بأنه ما فعل شيئًا إلا عن ملأ منهم، وأن كل ما فعله مصلحة، فسكن غضب السلطان، وغطى عنه الأمر.
وقد جاء عن عياش بن أبي ربيعة المخزوميّ، وهو بالتحتانية قبل الألف وبعدها معجمة، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:"إن هذه الأمة لا تزال بخير ما عظموا هذه الحرمة -يعني الكعبة- حق تعظيمها، فإذا ضيعوا ذلك هلكوا"، أخرجه أحمد، وابن ماجه، وعمر بن شَبّة في "كتاب مكة"، وسنده حسن، فنسأل الله تعالى الأمن من الفتن بحلمه وكرمه.
قال: ومما يُتعجب منه أنه لم يتفق الاحتياج في الكعبة إلى الإصلاح إلا فيما صنعه الحَجاج، إما من الجدار الذي بناه في الجهة الشامية، وإما في السلّم الذي جدده للسطح والعتبة، وما عدا ذلك مما وقع، فإنما هو لزيادة محضة؛ كالرخام، أو لتحسين كالباب والميزاب، وكذا ما حكاه الفاكهيّ عن الحسن بن مكرم، عن عبد الله بن بكر السهميّ، عن أبيه، قال: جاورت بمكة فعابت -أي: بالعين المهملة، وبالباء الموحدة- أسطوانة من أساطين البيت، فأُخرجت، وجيء بأخرى ليدخلوها مكانها فطالت عن الموضع، وأدركهم الليل، والكعبة لا تفتح ليلًا، فتركوها ليعودوا من غد؛ ليصلحوها، فجاؤوا من غد فأصابوها أقدم من قِدْح؛ أي: بكسر القاف، وهو السهم، وهذا إسناد قويّ، رجاله ثقات، وبكر هو ابن حبيب من كبار أتباع التابعين، وكأن القصة كانت في أوائل دولة بني العباس، وكانت الأسطوانة من خشب، والله -سبحانه وتعالى- أعلم. انتهى كلام الحافظ -رحمه الله-، وهو بحثٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رحمه الله- المذكور أولَ الكتاب قال: