رواية عطاء عند مسلم، عن عائشة مرفوعًا:"لكنت أُدخل فيها من الحجر خمسة أذرع"، فهي شاذّة، والرواية السابقة أرجح؛ لِما فيها من الزيادة عن الثقات الحفاظ، قال: ثم ظهر لي لرواية عطاء وجه، وهو أنه أريدَ بها ما عدا الفرجة التي بين الركن والحجر، فتجتمع مع الروايات الأخرى، فإن الذي عدا الفرجة أربعة أذرع وشيء، ولهذا وقع عند الفاكهيّ من حديث أبي عمرو بن عديّ بن الحمراء: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة في هذه القصة:"ولأدخلت فيها من الحجر أربعة أذرع"، فيُحْمَل هذا على إلغاء الكسر، ورواية عطاء على جبره، ويُجْمَع بين الروايات كلها بذلك. قال: ولم أر من سبقني إلى ذلك. انتهى كلام الحافظ -رحمه الله- (١).
قال الجامع عفا الله عنه: قد أسلفت أن كون رواية عطاء بلفظ: "خمسة أذرع" شاذّةً هو الظاهر، فلا تنس نصيبك، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
(قُلْتُ: فَلِمَ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ:"إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ") -بتشديد الصاد- أي: النفقة الطيبة التي أخرجوها لذلك، كما جزم به الأزرقيّ وغيره، ويوضحه ما ذكر ابن إسحاق في "السيرة" عن عبد الله بن أبي نَجِيح أنه أخبر عن عبد الله بن صفوان بن أمية، أن أبا وهب بن عابد بن عمران بن مخزوم، وهو جدّ جَعْدة بن هُبيرة بن أبي وهب المخزوميّ قال لقريش: لا تُدخلوا فيه من كسبكم إلا الطيب، ولا تدخلوا فيه مَهْرَ بَغِيّ، ولا بيع رِبًا، ولا مظلمة أحد من الناس.
ورَوَى سفيان بن عيينة في "جامعه" عن عبيد الله بن أبى يزيد، عن أبيه، أنه شهد عمر بن الخطاب أرسل إلى شيخ من بني زُهْرة أدرك ذلك، فسأله عمر عن بناء الكعبة، فقال: إن قريشًا تقربت لبناء الكعبة؛ أي: بالنفقة الطيبة، فعجزت، فتركوا بعض البيت في الحجر، فقال عمر: صدقت. انتهى.
(قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟) زاد في رواية شيبان التالية: "لا يُصعَد إليه إلا بسلّم"(قَالَ: "فَعَلَ ذَلِكِ قَوْمُكِ؛ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا، وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا)