للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عكرمة: الاستطاعة: الصحّة، وقال أشهب: قيل لمالك: الاستطاعة: الزاد والراحلة؟ قال: لا والله، وما ذاك إلا على قدر طاقة الناس، فربّ رجل يجد زادًا وراحلةً، ولا يقدر على المسير، وآخر يقوى يمشي على راحلته، وإنما هو كما قال الله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}.

وذهب آخرون إلى أن الاستطاعة تكون في البدن والقدرة، وتكون أيضًا بالمال لمن لم يستطع ببدنه، واستدلّوا بهذا الحديث، وما كان مثله.

وممن قال بذلك الشافعيّ، وأبو حنيفة، والثوريّ، وأحمد، وإسحاق، ورُوِي ذلك عن عمر بن الخطّاب، وعبد الله بن عبّاس، وسعيد بن جبير، والحسن، وعمرو بن دينار، والسدّيّ، وجماعة سواهم، كلهم يقولون: السبيل: الزاد والراحلة، وهذا يدلّ على أن فرض الحجّ على البدن والمال.

وروي عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "السبيل: الزاد والراحلة"، من وجوه، منها مرسلة، ومنها ضعيفة. انتهى كلام ابن عبد البرّ رحمه الله (١).

وقال في "الفتح": وفي هذا الحديث من الفوائد جواز الحجِّ عن الغير، واستدلّ الكوفيّون بعمومه على جواز صحّة حج من لم يحجّ نيابةً عن غيره، وخالفهم الجمهور، فخصّوه بمن حجّ عن نفسه، واستدلّوا بما في "السنن"، وصححه ابن خُزيمة، وغيره، من حديث ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أيضًا: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا يُلبّي عن شُبْرُمة، فقال: "أحججت عن نفسك؟ "، فقال: لا، قال: "هذه عن نفسك، ثم احجج عن شُبْرُمة" (٢).

واستُدلّ به أيضًا على أنّ الاستطاعة تكون بالغير، كما تكون بالنفس، وعكس بعض المالكيّة، فقال: من لم يستطع بنفسه لم يلاقه الوجوب، وأجابوا عن حديث الباب بأنّ ذلك وقع من السائل على جهة التبرّع، وليس في شيء من طرقه تصريح بالوجوب، وبأنها عبادة بدنيّة، فلا تصحّ النيابة فيها كالصلاة، وقد نقل الطبريّ وغيره الإجماع على أن النيابة لا تدخل في الصلاة، قالوا: ولأن العبادات فُرضت على جهة الابتلاء، وهو لا يوجد في العبادات البدنيّة،


(١) "الاستذكار" ١٢/ ٦٢.
(٢) حديث صحيح، رواه أبو داود برقم (١٨١١)، وابن ماجه برقم (٢٩٠٣).