للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على سؤالها، ولو كان ظنّها غلطًا لبيّنه لها؛ لأنا نقول: إنما أجابها عن قولها: "أفأحُجّ عنه؟ قال: حجّي عنه"؛ لِمَا رأى من حرصها على إيصال الخير والثواب لأبيها. انتهى.

وتُعُقّب بأنّ في تقرير النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لها على ذلك حجة ظاهرة.

وأما ما رواه عبد الرزّاق من حديث ابن عبّاس، فزاد في الحديث: "حجّ عن أبيك، فإن لم يزده خيرًا، لم يزده شرًّا"، فقد جزم الحفّاظ بأنها رواية شاذّة، وعلى تقدير صحّتها فلا حجّة فيها للمخالف. انتهى ما في "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن ما ذهب إليه من أجاز الحجّ عن الغير عند الضرورة أرجح؛ للأحاديث الصحيحة به؛ كحديث الخثعميّة، وغيرها، وكلّ ما اعترضوا به، فقد علمت جوابه فيما سبق، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيه]: قال في "الفتح": ومن فروع المسألة أن لا فرق بين من استقرّ الوجوب في ذمّته قبل العضب (٢)، أو طرأ عليه، خلافًا للحنفيّة، وللجمهور ظاهر قصّة الخثعميّة، وأن من حجّ عن غيره وقع الحجّ عن المستنيب، خلافًا لمحمد بن الحسن، فقال: يقع عن المباشر، وللمحجوج عنه أجر النفقة.

واختلفوا فيما إذا عُوفِي المعضوب، فقال الجمهور: لا يجزئه؛ لأنه تبيّن أنه لم يكن ميؤوسًا منه، وقال أحمد، وإسحاق: لا تلزمه الإعادة؛ لئلا يفضي إلى إيجاب حجتين.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله الإمامان: أحمد وإسحاق من عدم لزوم الإعادة هو الأرجح عندي؛ لظهور حجته، والله تعالى أعلم.

واتّفَق من أجاز النيابة في الحجّ على أنها لا تجزئ في الفرض إلا عن موت، أو عضب، فلا يدخل المريض لأنه يُرجى برؤه، ولا المجنون؛ لأنه


(١) "الفتح" ٥/ ١٥٤ - ١٥٦.
(٢) "الْمَعْضُوبُ": هو الضعيف، والزَّمِنُ، لا حَرَاكَ به، قاله في "القاموس"، وفي "المصباح": عَضَبَهُ عَضْبًا، من باب ضَرَبَ: قطعه، ورجلٌ معضوبٌ: زَمِنٌ لا حَرَاكَ به، كأنّ الزَّمَانة عَضَبَته، ومنعته الحركة. انتهى.