للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("أَيُّهَا النَّاسُ) بحذف حرف النداء، كما قال الحريريّ في

"ملحته":

وَحَذْفُ "يَا" يَجُوزُ فِي النِّدَاءِ … كَقَوْلِهِمْ "رَبِّ اسْتَجِبْ دُعَائِي"

(قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا") بالضمّ، فعل أمر من حجّ، من باب نصر (فَقَالَ رَجُلٌ) هو الأقرع بن حابس التميميّ، كما بيّنه ما أخرجه أصحاب السنن، عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام، فقال: إن الله تعالى كَتَبَ عليكم الحجّ، فقال الأقرع بن حابس: كلَّ عام يا رسول الله؟ … " (أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟) بنصب "كلَّ" على أنه مفعول لفعل مقدّر؛ أي: أنحُجّ كلّ عام، أو نحو ذلك.

قال النوويّ -رحمه الله-: واختَلَف الأصوليّون في أنّ الأمر هل يقتضي التكرار؟ والصحيح عند أصحابنا لا يقتضيه، والثاني يقتضيه، والثالث يتوقّف فيما زاد على مرّة على البيان، فلا يُحكم باقتضائه، ولا بمنعه، وهذا الحديث قد يَستدلّ به من يقول بالتوقّف؛ لأنه سأل، فقال: "أكلّ عام؟ "، ولو كان مطلقه يقتضي التكرار، أو عدمه لم يسأل، ولقال له النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: لا حاجة إلى السؤال، بل مطلقه محمول على كذا.

وقد يُجيب الآخرون بأنه سأل استظهارًا واحتياطًا، وقوله: "ذروني ما تركتكم" ظاهر في أنه لا يقتضي التكرار.

وقال الماورديّ -رحمه الله-: ويَحْتَمِل أنه إنما احتَمَل التكرار عنده من وجه آخر؛ لأن الحجّ في اللغة قصد فيه تكررٌ، فاحتَمَل عنده التكرار من جهة الاشتقاق، لا من مطلق الأمر، قال: وقد تعلّق بما ذكرناه عن أهل اللغة ههنا من قال بإيجاب العمرة، وقال: لَمّا كان قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} الآية [آل عمران: ٨٧] يقتضي تكرار قصد البيت بحكم اللغة، والاشتقاق، وقد أجمعوا على أن الحجّ لا يجب إلا مرّة، كانت العودة الأخرى إلى البيت تقتضي كونها عمرة؛ لأنه لا يجب قصده لغير حجّ وعمرة بأصل الشرع. انتهى (١).


(١) "شرح النوويّ" ٩/ ١٠٥.