للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القاري -رحمه الله-: والأظهر أن مبنى السؤال قياسه على سائر الأعمال؛ كالصلاة، والصوم، والزكاة، ولم يدر أن تكراره كلّ عام بالنسبة إلى جميع المكلّفين من المحال، كما لا يخفى. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد ذكرت هذه المسألة في "التحفة المرضيّة"، فقلت:

اخْتَلَفُوا هَلْ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ … إِنْ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِمَرَّةٍ يَبِنْ

أَوْ ضِدِّهَا أَوْ صِفَةٍ أَوْ شَرْطٍ … قِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ لَيْسَ يُعْطِي

وَأَوَّلًا رَجَّحَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ … إِذْ هُوَ غَالِبُ النُّصُوصِ فَاعْلَمْ

(فَسَكَتَ) أي: سكت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن ردّ الجواب عن سؤال الرجل (حَتَّى قَالَهَا) أي: كرّر الرجل هذه الجملة (ثَلَاثًا) أي: ثلاث مرّات.

قال التوربشتيّ -رحمه الله-: إنما سكت النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ زجرًا له عن السؤال الذي كان السكوت عنه أولى؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- إنما بُعث لبيان الشريعة، فلم يكن ليسكت عن بيان أمر عَلِم أن بالأمة حاجةً إلى الكشف عنه، فالسؤال عن مثله تقدُّمٌ بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد نُهُوا عنه، بقوله تعالى: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: ١]، والإقدام عليه ضرب من الجهل، وشرٌّ، فيه احتمال أن يعاقبوا بزيادة التكليف، وإليه أشار -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "لو قلت: نعم لوجبت".

ثم لَمّا رآه -صلى الله عليه وسلم- لا ينزجر، ولا يقنع إلا بالجواب الصريح صرّح به (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ قُلْتُ) أي: فرضًا وتقديرًا (نَعَمْ لَوَجَبَتْ) ولا يبعد أن يكون سكوته -صلى الله عليه وسلم- انتظارًا للوحي.

قال النوويّ -رحمه الله-: فيه دليلٌ للمذهب الصحيح أنه -صلى الله عليه وسلم- كان له أن يجتهد في الأحكام، ولا يشترط في حكمه أن يكون بوحي، وقيل: يشترط، وهذا القائل يُجيب عن هذا الحديث بأنه لعله أوحي إليه ذلك، والله أعلم. انتهى.

وقال الحافظ -رحمه الله-: استُدِلَّ به على أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان له أن يجتهد في

الأحكام؛ لقوله: "لو قلت: نعم لوجبت"، ولا يشترط في حكمه أن يكون


(١) "المرقاة" ٥/ ٣٧٩.