للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لغيره، وبيانُ ذلك: أن قوله: "فحُجّوا"، وإن كان صالِحًا للتكرار، فينبغي أن يُكتَفَى بما يصدُق عليه اللفظ، وهو المرّة الواحدة، فإنها مدلولةُ اللّفظ قطعًا، وما زاد عليها يُتغافَل عنه، ولا يُكثَر السؤال فيه؛ لإمكان أن يكثر الجواب المترتّب عليه، فيضاهي ذلك قصّة بقرة بني إسرائيل، التي قيل لهم فيها: اذبحوا بقرة، فلو اقتصروا على ما يصدق عليه اللفظ، وبادروا إلى ذبح بقرة، أيّ بقرة كانت لكانوا ممتثلين، لكن لما أكثروا السؤال كثُر عليهم الجواب، فَشَدّدوا، فشُدّد عليهم، فذُمّوا على ذلك، فخاف النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مثل هذا على أمته، ولذلك قال: "فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم"، وعلى هذا يُحْمَل قوله: "فإذا أمرتكم بشيء، فائتوا منه ما استطعتم"، يعني بشيء مطلق، كما إذا قال: صم، أو صلّ، أو تصدّق، فيكفي من ذلك أقلّ ما ينطلق عليه الاسم، فيصوم يومًا، ويصلّي ركعتين، ويتصدّق بشيء يُتصدّق بمثله، فإن قيّد شيئًا من ذلك بقيود، ووصفه بأوصاف لم يكن بدّ من امتثال أمره على ما فصَّلَ، وقَيَّدَ، وإن كان فيه أشدّ المشقّات، وأشدّ التكاليف، وهذا مما لا يُختَلَف فيه إن شاء الله تعالى أنه المراد بالحديث. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).

وقد أخرج البزّار، وابن أبي حاتم في "تفسيره" من طريق أبي رافع، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عنه، مرفوعًا: "لو اعتَرَضَ بنو إسرائيل أدنى بقرة، فذبحوها، لكفتهم، ولكن شَدَّدُوا، فشدّد الله عليهم"، وفي السند عبّاد بن منصور، وحديثه من قبيل الحسن، وأورده الطبريّ، عن ابن عبّاس، موقوفًا، وعن أبي العالية، مقطوعًا، ذكره في "الفتح" (٢).

(فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) أي: من اليهود والنصارى (بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ) كسؤال الرؤية، والكلام، وقضيّة البقرة.

ولفظ البخاريّ من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: "فإنما أهلك من كان قبلكم سُؤَالُهُمْ".

قال في "الفتح": قوله: "فإنما أهلك" بفتحات (٣)، وقال بعد ذلك:


(١) "المفهم" ٣/ ٤٤٧ - ٤٤٨.
(٢) "الفتح" ١٥/ ١٨٨.
(٣) في هذا الضبط نظرٌ لا يخفى، فتأمل.