الكلام في المسائل التي لم تقع، قال: وإنه لمكروه إن لم يكن حرامًا إلا للعلماء، فإنهم فرّعوا، ومهّدوا، فنفع الله من بعدهم بذلك، ولا سيّما مع ذهاب العلماء، ودروس العلم. انتهى ملخّصًا.
قال الحافظ -رحمه الله-: وينبغي أن يكون محلّ الكراهة للعالم، إذا شغله ذلك عمّا هو أهمّ منه، وكان ينبغي تلخيص ما يكثر وقوعه مجرّدًا عما يندر، ولا سيّما في المختصرات؛ ليسهل تناوله، والله المستعان. انتهى.
١٢ - (ومنها): أن فيه إشارةً إلى الاشتغال بالأهمّ المحتاج إليه عاجلًا عما لا يحتاج إليه في الحال، فكأنه قال: عليكم بفعل الأوامر، واجتناب النواهي، فاجعلوا اشتغالكم بها عوضًا عن الاشتغال بالسؤال عما لم يقع.
فينبغي للمسلم أن يبحث عما جاء عن الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ثم يجتهد في تفهّم ذلك، والوقوف على المراد به، ثم يتشاغل بالعمل به، فإن كان من العلميّات يتشاغل بتصديقه، واعتقاد أحقيّته، وإن كان من العمليّات بذَلَ وُسْعه في القيام به، فعلًا وتركًا، فإن وجد وقتًا زائدًا على ذلك فلا بأس بأن يصرفه في الاشتغال بتعرّف حكم ما سيقع على قصد العمل به أن لو وقع، فأما إن كانت الهمّة مصروفةً عند سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد تقع، وقد لا تقع مع الإعراض عن القيام بمقتضى ما سمع، فإن هذا مما يدخل في النهي، فالتفقّه في الدين إنما يُحمَد إذا كان للعمل، لا للمراء والجدل (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): عقد الإمام البخاريّ -رحمه الله- في "صحيحه" في "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة" بابًا مهمًّا جدًّا، له شدّة ارتباط بحديث الباب، وكتب الحافظ -رحمه الله- في شرحه كلامًا نفيسًا أحببت إيراده تتميمًا للفائدة، ونشرًا للعائدة، قال -رحمه الله-:
"باب ما يكره من كثرة السؤال، وتكلّف ما لا يعنيه، وقول الله تعالى:{لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}[المائدة: ١٠١]. ثم ساق بسنده عن سعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنه-؛ أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أعظم المسلمين جُرْمًا من