١٠ - (ومنها): أنه استُدلّ به على أن الأمر لا يقتضى التكرار، ولا عدمه، وقيل: يقتضيه، وقيل: بل يُتوقّف فيما زاد على مرّة، وحديث الباب يتمسّك به لذلك؛ لما في سببه أن السائل قال في الحجّ:"أكلّ عام؟ "، فلو كان مطلقه يقتضي التكرار، أو عدمه لم يحسُن السؤال، ولا العناية بالجواب، وقد يقال: إنما سأل استظهارًا واحتياطًا.
وقال المازريّ: يَحْتَمِل أن يقال: إن التكرار إنما احتمل من جهة أن الحجّ في اللغة قصد فيه تكرارٌ، فاحتمل عند السائل التكرار من جهة اللغة، لا من صيغة الأمر.
وقد تمسّك به من قال بإيجاب العمرة؛ لأن الأمر بالحجّ إذا كان معناه تكرار قصد البيت بحكم اللغة والاشتقاق، وقد ثبت في الإجماع أن الحجّ لا يجب إلا مرّة، فيكون العود إِليه مرّة أخرى دالًّا على وجوب العمرة.
١١ - (ومنها): أنه استُدلّ به على النهي عن كثرة المسائل، والتعمّق في ذلك.
قال البغويّ -رحمه الله- في "شرح السنّة": المسائل على وجهين:
"أحدهما": ما كان على وجه التعليم لما يُحتاج إليه من أمر الدين، فهو جائز، بل مأمور به؛ لقوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} الآية [النحل: ٤٣]، وعلى ذلك تتنزّل أسئلة الصحابة -رضي الله عنهم- عن الأنفال، والكلالة، وغيرهما.
"ثانيهما": ما كان على وجه التعنّت والتكلّف، وهو المراد في هذا الحديث، والله أعلم.
ويؤيّده ورود الزجر في الحديث عن ذلك، وذمّ السلف، فعند أحمد من حديث معاوية:"أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عن الأغلوطات"، قال الأوزاعيّ: هي شداد المسائل، وقال الأوزاعيّ أيضًا: إن الله إذا أراد أن يَحْرِمَ عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط، فلقد رأيتهم أقلّ الناس علمًا.
وقال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: المراء في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل.
وقال ابن العربيّ: كان النهي عن السؤال في العهد النبويّ خشية أن ينزل ما يشقّ عليهم، فأما بعده فقد أُمِن ذلك، لكن أكثر النقل عن السلف بكراهة