للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٧ - (ومنها): أن اعتناء الشارع بالمنهيّات فوق اعتنائه بالمأمورات؛ لأنه أطلق الاجتناب في المنهيّات، ولو مع المشقّة في الترك، وقيّد في المأمورات بقدر الطاقة، وهذا منقول عن الإمام أحمد -رحمه الله-.

[فإن قيل]: إن الاستطاعة معتبرة في النهي أيضًا؛ إذ {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦].

[أجيب]: بأن الاستطاعة تُطلق باعتبارين، قال الحافظ: كذا قيل، والذي يظهر أن التقييد في الأمر بالاستطاعة لا يدلّ على المدّعَى من الاعتناء به، بل هو من جهة الكفّ، إذ كلّ أحد قادر على الكفّ، لولا داعية الشهوة مثلًا، فلا يُتصوّر عدم الاستطاعة عن الكفّ، بل كلّ مكلّف قادرٌ على الترك، بخلاف الفعل، فإن العجز عن تعاطيه محسوس، فمن ثمّ قُيّد في الأمر بحسب الاستطاعة، دون النهي.

وعبّر الطوفيّ في هذا الموضع بأن ترك المنهيّ عنه عبارة عن استصحاب حال عدمه، أو الاستمرار على عدمه، وفعل المأمور به عبارة عن إخراجه من العدم إلى الوجود، وقد نوزع بأن القدرة على استصحاب عدم المنهيّ عنه قد تتخلّف.

واستُدِلّ له بجواز أكل المضطرّ الميتة.

وأجيب بأن النهي في هذا عارضه الإذن بالتناول في تلك الحالة.

٨ - (ومنها): أنه استُدلّ به على أن المكروه يجب اجتنابه؛ لعموم الأمر باجتناب المنهيّ عنه، فشمل الواجب والمندوب.

وأجيب بأن قوله: "فاجتنبوه" يُعمل به في الإيجاب والندب بالاعتبارين، ويجيء مثل هذا السؤال وجوابه في الجانب الآخر، وهو الأمر.

وقال الفاكهانيّ: النهي يكون تارة مع المانع من النقيض، وهو المحرّم، وتارة لا معه، وهو المكروه، وظاهر الحديث يتناولهما.

٩ - (ومنها): أنه استدلّ به على أن المباح ليس مأمورًا به؛ لأن التأكيد في الفعل إنما يناسب الواجب والمندوب، وكذا عكسه.

وأجيب: بأن من قال: المباح مأمور به، لم يُرد الأمر بمعنى الطلب، وإنما أراد بالمعنى الأعمّ، وهو الإذن.