للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

صحيح، وليس في هذا كله تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر، ولم يُرد -صلى الله عليه وسلم-

تحديد أقل ما يُسَمَّى سفرًا.

فالحاصل أن كل ما يُسَمَّى سفرًا تُنْهَى عنه المرأة بغير زوج، أو محرم، سواءٌ كان ثلاثة أيام، أو يومين، أو يومًا، أو بَرِيدًا، أو غير ذلك؛ لرواية ابن عباس -رضي الله عنهما- المطلقة، وهي آخر روايات مسلم السابقة: "لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم"، وهذا يتناول جميع ما يُسَمَّى سفرًا، والله أعلم (١).

(إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ") قال النوويّ -رحمه الله-: حقيقة المحرم من النساء التي يجوز النظر إليها، والخلوة بها، والمسافَرة بها: كلُّ من حَرُم نكاحها على التأبيد، بسبب مباح لحرمتها، فقولنا: على التأبيد احترازٌ من أخت المرأة، وعمتها، وخالتها، ونحوهنّ، وقولنا: بسبب مباح احتراز من أم الموطوءة بشبهة، وبنتها، فإنهما تحرمان على التأبيد، وليستا محرمين؛ لأن وطء الشبهة لا يوصف بالإباحة؛ لأنه ليس بفعل مكلّف، وقولنا: لحرمتها احترازٌ من الملاعِنة، فإنها محرمة على التأبيد بسبب مباح، وليست مَحْرَمًا؛ لأن تحريمها ليس لحرمتها، بل عقوبةً، وتغليظًا، والله أعلم. انتهى (٢).

وقال النوويّ أيضًا: وفيه دلالة لمذهب الشافعيّ، والجمهور، أن جميع المحارم سواء في ذلك، فيجوز لها المسافَرة مع محرمها بالنسب؛ كابنها، وأخيها، وابن أخيها، وابن أختها، وخالها، وعمّها، ومع محرمها بالرضاع؛ كأخيها من الرضاع، وابن أخيها، وابن أختها منه، ونحوهم، ومع محرمها من المصاهرة؛ كأبي زوجها، وابن زوجها، ولا كراهة في شيء من ذلك، وكذا يجوز لكل هؤلاء الخلوة بها، والنظر إليها من غير حاجة، ولكن لا يحل النظر بشهوة لأحد منهم، هذا مذهب الشافعيّ، والجمهور، ووافق مالك على ذلك كله إلا ابن زوجها، فكره سفرها معه؛ لفساد الناس بعد العصر الأول، ولأن كثيرًا من الناس لا ينفرون من زوجة الأب نفرتهم من محارم النسب، قال: والمرأة فتنة إلا فيما جَبَل الله تعالى النفوس عليه من النفرة عن محارم النسب،


(١) "شرح النوويّ" ٩/ ١٠٢ - ١٠٤.
(٢) "شرح النوويّ" ٩/ ١٠٤.