فوجب وقوعه لا محالة، ودلّ ذلك على الجواز؛ إذ لو حَرُم لبيّنه، فإنه وقت حاجة؛ لأنه كالواقع، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز.
قال: وهذا القائل يَحْمِل أحاديث اشتراط المحرم على حال الخوف والخطر جمعًا بينهما، وعملًا بهما، وذلك أولى من إهمال بعضها.
ويمكن أن يقال: الحديث دل على الوقوع، لا على الجواز، لا بطريق المطابقة، ولا بالاستلزام؛ لأنه ورد في معرض الثناء على حال الزمان بالأمن والعدل، وذكر خروج المرأة وحدها في معرض الاستدلال على ذلك، سواء كان جائزًا أو غير جائز، فالجواز وعدمه مسكوت عنه، ولا إشعار للفظ الخبر بهما، لا نفيًا ولا إثباتًا؛ إذ لو قال عقيب كلامه: وارتحالها لذلك جائز لها لم يُعَدّ ذلك تكرارًا لما فُهِم من الأول، ولا مؤكدًا للفظه، أو قال: وارتحالها محرّم عليها لم يُعَدّ ذلك نقضًا له، كيف وفي قوله:"لا تخاف أحدًا إلا الله" إشعار بالحرمة؛ إذ لو لم يحرم عليها ذلك لما خافت الله تعالى.
وأما قوله: وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز فمسلّم، ولم يتأخر، فإن أحاديث اشتراط المَحرم إن ثبت الخطاب بها قبل هذا الحديث، فالتحريم ثابت عندهم، وليس في لفظ هذا الحديث ما يناقضه، فيُحمل على ما ذكرناه، وإن كان الخطاب بها متأخرًا عن هذا الحديث، فقد بيّن -صلى الله عليه وسلم- ما سكت فيه عنه، مما احتَمَل إرادته قبل موته، فلم يتأخر البيان عن وقت الحاجة على الحالين، وهذا هو الظاهر عندي، وإن كان الصحيح من مذهب الشافعي خلافه. انتهى كلام الطبريّ -رحمه الله-.
وقال الحافظ -رحمه الله-: ومن الأدلة على جواز سفر المرأة مع النسوة الثقات إذا أُمن الطريق أول أحاديث باب حج النساء -يعني به حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جدّه قال: أَذِنَ عمر -رضي الله عنه- لأزواج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في آخر حجة حجها، فبعث معهنّ عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف- لاتفاق عمر، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، ونساء النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، وعدم نكير غيرهم من الصحابة عليهنّ في ذلك، ومن أبى ذلك من أمهات المؤمنين فإنما أباه من جهة خاصّة، لا من جهة توقف السفر على المَحرم.
وأجيب بأن أزواج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كلهن أمهات المؤمنين، وهم محارم لهنّ؛