رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" (قَالَ) أبو سعيد -رضي الله عنه- (سَمِعْتُ مِنْهُ) أي: من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (حَدِيثًا) هو حديث مشتمل على أربعة أشياء، ففي الرواية التالية: "سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعًا" (فَأَعْجَبَنِي) زاد في الرواية التالية: "فأعجبنني، وآنقنني"، وهو بمعناه (فَقُلْتُ لَهُ) القائل هو قَزَعة؛ أي: قلت لأبي سعيد -رضي الله عنه- (أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؟) بتقدير همزة الاستفهام؛ أي: أأنت سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ (قَالَ) أبو سعيد (فَأَقولُ) هذا أيضًا بتقدير همزة الاستفهام؛ أي: أفأقول (عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا لَمْ أَسْمَعْ؟) والاستفهام للإنكار (قَالَ) قزعة (سَمِعْتُهُ) أي: أبا سعيد (يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَشُدُّوا الرِّحَالَ) -بفتح حرف المضارعة، من باب نصر- هكذا رواية المصنّف -رحمه الله- هنا، فـ "لا" ناهية، والفعل مجزوم بها بحذف النون؛ لأنه من الأمثلة الخمسة التي رفعها بثبوت النون، ونصبها، وجزمها بحذفها، وسيأتي في أواخر "كتاب الحجّ" بلفظ: "لا تُشدّ الرحال" -بضم أوّله مبنيًّا للمفعول- وهو الذي في صحيح البخاريّ، وعليه فـ "لا" نافية، والمراد من النفي هو النهي، قال الطيبيّ: هو أبلغ من صريح النهي، كأنه قال: لا يستقيم أن يُقْصَد بالزيارة إلا هذه البقاع؛ لاختصاصها بما اختُصَّت به.
و"الرِّحَال" بالمهملة: جمع رَحْل، وهو للبعير كالسرج للفرس، وكَنَى بشد الرحال عن السفر؛ لأنه لازِمه، وخرج ذكرُها مخرج الغالب في ركوب المسافر، وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل، والخيل، والبغال، والحمير، والمشي في المعنى المذكور، ويدل عليه قوله في بعض طرقه:"إنما يُسَافَرُ"، أخرجه مسلم، من طريق عمران بن أبي أنس، عن سليمان الأغر، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، وسيأتي في أواخر "كتاب الحجّ"(١) -إن شاء الله تعالى-.
(إِلَّا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ) الاستثناء فيه مُفَرَّغ، والتقدير: لا تُشدّ الرحال إلى موضع، ولازِمه منعُ السفر إلى كل موضع غيرها؛ لأن المستثنى منه في المفرَّغ مقدَّر بأعم العامّ، لكن يمكن أن يكون المراد بالعموم هنا الموضع المخصوص، وهو المسجد، كما سيأتي. (مَسْجِدِي هَذَا) أي: المسجد النبويّ