بالمدينة، و"مسجدي" بالجر على البدليّة، ويجوز رفعه على تقدير مبتدأ؛ أي: أي أحدها مسجدي، ونصبُه بتقدير فعل؛ أي: أعني، و"قوله: "هذا" بدل، أو عطف بيان لـ"مسجدي"، وأتى به إشارة إلى أن المساجد التي في المدينة غير مسجده ليس لها هذا الفضل، والله تعالى أعلم. (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) أي: المحرم، فهو كقولهم: الكتاب، بمعنى المكتوب، و"المسجد" يجوز فيه أوجه الإعراب الثلاثة المذكورة فيما قبله.
ثم المراد به جميع الحرم، وقيل: يختص بالموضع الذي يُصَلَّى فيه دون البيوت وغيرها، من أجزاء الحرم، قال الطبريّ: ويتأيد بقوله: "مسجدي هذا"؛ لأن الإشارة فيه إلى مسجد الجماعة، فينبغي أن يكون المستثنى كذلك، وقيل: المراد به الكعبة، حكاه المحب الطبري، وذكر أنه يتأيد بما رواه النسائيّ بلفظ: "إلا الكعبة"، وفيه نظر؛ لأن الذي عند النسائيّ: "إلا مسجد الكعبة"، حتى ولو سقطت لفظة "مسجد" لكانت مرادةً، ويؤيد الأول ما رواه الطيالسيّ من طريق عطاء أنه قيل له: هذا الفضل في المسجد وحده، أو في الحرم؟ قال: بل في الحرم؛ لأنه كله مسجد، قاله في "الفتح" (١).
(وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى") أي: بيت المقدس، فـ "الأقصى" نعتٌ لـ "المسجد"، وفي الرواية الآتية:"ومسجد الأقصى" بالإضافة، وهي رواية البخاريّ، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة، وقد جوّزه الكوفيون، واستشهدوا له بقوله تعالى:{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ}[القصص: ٤٤]، والبصريون يؤولونه بإضمار المكان؛ أي: الذي بجانب المكان الغربي، ومسجد المكان الأقصى، ونحو ذلك، وإليه أشار ابن مالك -رحمه الله- في "الخلاصة" حيث قال:
وسُمِّي الأقصى؛ لبعده عن المسجد الحرام في المسافة، وقيل: في الزمان، وفيه نظر؛ لأنه ثبت في "الصحيحين" أن بينهما أربعين سنة، وقد تقدّم في أبواب المساجد من حديث أبي ذرّ -رضي الله عنه-، وتقدّم أيضًا بيان ما فيه من الإشكال، والجواب عنه.