"لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هذا استثناء
منقطعٌ؛ لأنه متى كان معها محرم لم تبق خلوةٌ، فتقدير الحديث: لا يقعدنّ رجل مع امرأة، إلا ومعها محرم. انتهى (١).
وقال في "الفتح": فيه منع الخلوة بالأجنبية، وهو إجماع، لكن اختلفوا هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا؛ كالنسوة الثقات؟ والصحيح الجواز؛ لضعف التهمة به، وقال القفّال: لا بُدّ من المحرم، وكذا في النسوة الثقات في سفر الحجّ لا بدّ من أن يكون مع إحداهنّ محرم، ويؤيده نصّ الشافعيّ أنه لا يجوز للرجل أن يصلي بنساء مفردات، إلا أن تكون إحداهنّ محرمًا له. انتهى.
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ومعها ذو محرمٌ" يَحْتَمِل أن يريد محرمًا لها، ويَحْتَمِل أن يريد محرمًا لها أو له، وهذا الاحتمال الثاني هو الجاري على قواعد الفقهاء، فإنه لا فرق بين أن يكون معها محرم لها؛ كابنها، وأخيها، وأمها، وأختها، أو يكون محرمًا له؛ كأخته، وبنته، وعمته، وخالته، فيجوز القعود معها في هذه الأحوال.
ثم إن الحديث مخصوص أيضًا بالزوج، فإنه لو كان معها زوجها، كان كالمحرم، وأولى بالجواز، وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما، فهو حرام بإتفاق العلماء، وكذا لو كان معهما من لا يُسْتَحَى منه؛ لصغره، كابن سنتين، وثلاث، ونحو ذلك، فإن وجوده كالعدم، وكذا لو اجتمع رجال بامرأة أجنبية فهو حرام، بخلاف ما لو اجتمع رجل بنسوة أجانب، فإن الصحيح جوازه.
قال: والمختار أن الخلوة بالأمرد الأجنبي الحسن كالمرأة، فتحرم الخلوة به، حيث حرمت بالمرأة، إلا إذا كان في جمْع من الرجال المصونين.
قال الجامع عفا الله عنه: تحريم الخلوة بالأمرد الحسن مما لا دليل عليه،
فقد كان في أولاد الصحابة -رضي الله عنهم- من كان صبيح الوجه، فما نهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن الخلوة بهم، وكذا لم يوجد من الخلفاء الراشدين، ولا من غيرهم من الصحابة النهي عن ذلك، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.