للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قبل ذلك، أو المعنى: لولا تسخيره ما كنا جميعًا مقتدرين على ركوبه، مِن أقرن له: إذا أطاقه، وقَوِي عليه، وهو اعتراف بعجزه، وأن تمكنه من الركوب عليه إنما هو بإقدار الله تعالى وتسخيره له.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: {مُقَرَّنِينَ}: مُطيقين، قاله ابن عباس. قال الشاعر [من الوافر]:

لَقَدْ عَلِمَ القَبَائلُ مَا عَقِيلٌ … لَنَا فِي النَّائِبَاتِ بِمُقْرِنِينَا

أي: بمطيقين، وقال الأخفش: ضابطين، وقال قتادة: مماثلين، من الْقِرْن في القتال، وهو المِثل، ويَحْتَمِل أن يكون من المقارنة؛ أي: الملازمة. انتهى (١).

({وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا}) أي: لا إلى غيره ({لَمُنْقَلِبُونَ}) أي: راجعون، وهذا تنبيهٌ على المطالبة بالشكر على ما أنعم، وعلى العدل فيما سخر، وقيل: معنى {لَمُنْقَلِبُونَ} أي: لصائرون إليه بعد مماتنا، وإليه سيرنا الأكبر، واللام للتأكيد، وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الآخرة، كما نبّه بالزاد الدنيوي على الزاد الأخروي في قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [الأعراف: ٢٦]، وباللباس الدنيوي على الأخروي في قوله تعالى: {وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: ٢٦]، قال البيضاوي -رَحِمَهُ اللهُ-: اتصال قوله: {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤)} بما قبله؛ لأن الركوب للنقل، والنُّقلة العظمى هو الانقلاب إلى الله تعالى، فينبغي للراكب أن لا يغفل عنه، ويستعدّ للقاء الله، يعني مِن شكر هذه النعمة أن يذكر عاقبة أمره، ويعلم أن استواءه على مركب الحياة كاستوائه على ظهر ما سَخَّر له ما لم يكن في المبدأ مطيقًا له، ولا يجد في المنتهى بُدًّا من النزول عنه، كذا في "اللمعات".

وقال الطيبيّ: الانقلاب إليه تعالى هو السفر الأعظم، فينبغي أن يتزوّد له. انتهى.

وهذا الدعاء يُسَنّ عند ركوب أيّ دابة كانت، لسفر أو غيره، فقوله

تعالى: {مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ} المراد به الإبل؛ لغالب الواقع في بلاد العرب،


(١) "المفهم" ٣/ ٤٥٣ - ٤٥٤.