للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقول الراوي: "خارجًا إلى سفر" حكاية للحال، ودلالة على ضبط المقال (١).

(اللَّهُمَّ) وفي رواية أحمد (٢)، والترمذيّ: "ثم يقول: اللهم" (إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ) أي: العمل الصالح، والخلُق الحسن (وَالتَّقْوَى) أي: الخوف الحامل على التحرّز من المعاصي والمكروه، أو المراد من البرّ: الإحسان إلى الناس، أو من الله إلينا، ومن التقوى امتثال الأوامر، واجتناب النواهي (وَمِنَ الْعَمَلِ) أي: جنسه (مَا تَرْضَى) به عنّا (اللَّهُمَّ هَوِّنْ) أمرٌ من التهوين؛ أي: يسِّر (عَلَيْنَا سَفَرَنَا) منصوب على المفعوليّة لـ "هَوِّنْ"، وقوله: (هَذَا) عطف بيان، أو بدل من"سفرنا"، وفي رواية الترمذيّ: "اللهم هوِّن علينا المسير" (وَاطْوِ) أمرٌ من طَوَى يَطوِي طَيًّا، من باب رمى يرمي رَمْيًا (عَنَّا بُعْدَهُ) وفي رواية: "لنا بُعده" أي: قَرِّب لنا بُعْدَ هذا السفر، قيل: هو عبارة عن تيسير السير بإعطاء القوّة له، ولمركوبه، وقيل: معناه: اطْوِ لنا بُعْدَه حقيقةً، أو المراد: خَفِّف مشاقه.

والأظهر حمله على حقيقته؛ إذ لا مانع من ذلك، ففي رواية أبي داود: "اللهم اطو لنا البعد"، وأخرج الترمذيّ، وحسنه، وابن ماجه، وصححه ابن حبّان أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل: "اللهم اطو له الأرض، وهوّن عليه السفر"، فقد دعا بطيّ الأرض، والله تعالى يفعل ما يشاء، يطوي المكان، ويطوي الزمان، والمعنى: ارفع عنا مشقة السفر بتقريب المسافة البعيدة لنا حسًّا، والله تعالى أعلم.

(اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ) أي: الحافظ والمعين، يعني أنك أنت الصاحب الذي تصحبنا بحفظك ورعايتك، والصاحب في الأصل الملازِم، وأراد بذلك مصاحبة الله إياه بالعناية والحفظ، وذلك أن الإنسان أكثر ما يبغي الصحبة في السفر، يبتغيها للاستيناس بذلك، والاستظهار به، والدفاع لما ينوبه من النوائب، فنبّه بهذا القول على حسن الاعتماد عليه، وكمال الاكتفاء عن صاحب سواه، قال البغويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "أنت الصاحب في السفر" أي: الحافظ، يقال: صَحِبك الله؛ أي: حَفِظك، وقوله سبحانه وتعالى: {وَلَا هُمْ مِنَّا


(١) راجع: "المرقاة" ٥/ ٣٣٢.
(٢) "المسند" ٢/ ١٤٥.