للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

البخاريّ: "قال: كنّا إذا صَعِدنا كبّرنا، وإذا نزلنا سَبّحنا"، ويَحْتَمِل أن يكمل الذكر مطلقًا عقب التكبير، ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط.

قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المنفرد بإيجاد جميع الموجودات، وأنه المعبود في جميع الأماكن.

(آيِبُونَ) بالرفع خبر مبتدأ محذوف؛ أي: نحن آئبون، أي راجعون، وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع، فإنه تحصيل الحاصل، بل الرجوع في حالة مخصوصة، وهي تلبُّسهم بالعبادة المخصوصة، والاتصاف بالأوصاف المذكورة.

وقال وليّ الدين -رَحِمَهُ اللهُ-: [فإن قلت]: ما فائدة الإخبار بالأَوْب، وهو الرجوع من السفر كما تقدم، وذلك ظاهر من حالهم، وما تحت الإخبار بذلك من الفائدة؟

[قلت]: قد يراد أَوْبٌ مخصوصٌ، وهو الرجوع عن المخالفة إلى الطاعة، أو التفاؤل بذلك، أو الإعلام بأن السفر المقصود قد انقضى، فهو استبشار بكمال العبادة، والفراغ منها، وحصول المقصود والظفر به. انتهى (١).

(تَائِبُونَ) أي: إلى ربنا، من التوبة وهي الرجوع عما هو مذموم إلى ما هو محمود شرعًا، وفيه إشارة إلى التقصير في العبادة، قاله -صلى الله عليه وسلم- على سبيل التواضع، أو تعليمًا لأمته، أو المراد أمته، وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة، فيكون المراد أن لا يقع منهم ذنب.

وقال وليّ الدين -رَحِمَهُ اللهُ-: وقوله: "تائبون" يَحْتَمِل أن يكون إشعارًا بحصول التقصير في العبادة، فيتوب من ذلك، وهو تواضع، وهضم للنفس، أو تعليم لمن يقع ذلك منه في سفر الطاعات، فيَخْلِطه بما لا يجوز فعله، ويَحْتَمِل الإشارة بذلك إلى أن ما كان فيه من طاعة الحجّ، أو العمرة، أو الغزو قد كَفَّر ما مضى، فيسأل التوبة فيما بعده، وقد تُسْتَعمل التوبة في العصمة، فيَسأل أن لا يقع منه بعده ما يحتاج إلى تكفير، وهذا اللفظ وإن كان خبرًا، فهو في معنى الدعاء، ولو كان إِشعارًا بأنهم رحبوا بهذه الأوصاف؛ لَنَصَبها على الحال،


(١) "طرح التثريب في شرح التقريب" ٥/ ١٨٦.