للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والأشهر تفسيره بالمكان المرتفع، وقيل: هو الأرض المستوية، وقيل: الفلاة الخالية من شجر وغيره، وقيل: غليظ الأودية ذات الحصى، وقيل: الجَلْد من الأرض في ارتفاع، وجمعه فدافد.

وقال القرطبيّ: "الفدفد": ما غَلُظ من الأرض، وارتفع، وجمعه: فدافد، قال: وتكبيره -صلى الله عليه وسلم- في هذه المواضع المرتفعة إشعار بأن أكبرية كل كبير إنما هي منه، وأنها محتقرة بالنسبة إلى أكبريته تعالى وعظمته، وتوحيدُه الله تعالى هناك: إشعار بانفراده -عزَّ وجلَّ- بإيجاد جميع الموجودات، وبأنه المألوه؛ أي: المعبود في كل الأماكن من الأرضين والسموات، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: ٨٤]. انتهى (١).

وفي رواية البخاريّ: "يُكبّر على كلّ شَرَف" -بفتح الشين المعجمة، والراء، بعدها فاءٌ- هو المكان العالي.

(كَبَّرَ ثَلَاثًا) قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وجه التكبير على الأماكن العالية، هو استحباب الذكر عند تجدد الأحوال والتقلبات، وكان -صلى الله عليه وسلم- يراعي ذلك في الزمان والمكان؛ لأن اختلاف أحوال العبد في الصباح والمساء، والصعود والهبوط، وما أشبه ذلك، مما ينبغي أن لا ينسى ربه عند ذلك، فإنه هو المتصرف في الأشياء بقدرته المدبر لها قبل صنعه. انتهى.

وقال الزين العراقيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: مناسبة التكبير على المرتفع أن الاستعلاء محبوب للنفس، وفيه ظهور وغلبة، فينبغي للمتلبس به أن يذكر عنده أن الله أكبر من كل شيء، ويشكر له ذلك، ويستمطر منه المزيد. انتهى.

(ثُمَّ قَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ) قال القرطبيّ: الملك أصله الشدّ والرّبط، والْمُلك بالضم يتضمّن الملك بالكسر، ولا ينعكس. انتهى (٢). (وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: يَحْتَمِل أنه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير، وهو على المكان المرتفع، ويَحْتَمل أن التكبير يختص بالمكان المرتفع، وما بعده إن كان متسعًا أكمل الذكر المذكور فيه، وإلا فإذا هبط سبَّح، كما في حديث جابر -رضي الله عنه- عند


(١) "المفهم" ٣/ ٤٥٦.
(٢) "المفهم" ٣/ ٣٥٦.