وأجيب: بأن غزوات النبيّ -صلى الله عليه وسلم- التي خرج فيها بنفسه محصورة، والمطابق منها لذلك غزوة الخندق؛ لظاهر قوله تعالى في "سورة الأحزاب": {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} الآية [الأحزاب: ٢٥]، وفيها قبل ذلك:{إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} الآية [الأحزاب: ٩].
والأصل في الأحزاب أنه جمع حِزْب، وهو القطعة المجتمعة من الناس، فاللام إما جنسيّة؛ أي: كل من تحزب من الكفار، وإما عهديّة، والمراد من تقدّم، وهو الأقرب، وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ويَحْتَمِل أن يكون هذا الخبر بمعنى الدعاء، كأنه قال: اللهم افعل ذلك وحدك، والأول أظهر، قاله الحافظ (١).
وقال القاري -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "وهزم الأحزاب" أي: القبائل المجتمعة من الكفار لحرب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وكانوا اثني عشر ألفًا توجهوا من مكة إلى المدينة، واجتمعوا حولها، سوى من انضم إليهم من اليهود، ومضى عليهم قريب من شهر، لم يقع بينهم حرب، إلا الترامي بالنبل والحجارة؛ زعمًا منهم أن المؤمنين لم يطيقوا مقابلتهم، فلا بُدّ أنهم يهربون، فأرسل الله عليهم ريحًا في ليلة شاتية، سَفّت التراب على وجوههم، وأطفأت نيرانهم، وقلعت أوتادهم، وأكفأت قدورهم، وأرسل الله ألفًا من الملائكة، فكَبّرت في ذوائب عسكرهم، فهاصت الخيل وقذف في قلوبهم الرعب، فانهزموا، ونزل قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} الآية [الأحزاب: ٩]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٧٣/ ٣٢٧٩ و ٣٢٨٠](١٣٤٤)، و (البخاريّ) في