للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال وليّ الدين -رَحِمَهُ اللهُ-: ويَحْتَمِل أن سبب ذلك إظهار ذكر الله تعالى، وتوحيده، ومنّته على أهل دينه، وذلك في الأماكن العالية أظهر منه في الأماكن المنخفضة، وفي "صحيح البخاريّ" عن جابر -رضي الله عنه- قال: "كنا إذا صَعِدنا كبّرنا، وإذا نزلنا سبَّحنا"، وفي "سنن أبي داود"، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: "وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وجيوشه إذا عَلَوُا الثنايا كبّروا، وإذا هَبَطُوا سبَّحُوا، فوُضِعت الصلاة على ذلك".

ويَحْتَمِل أن يكون سبب التسبيح في الانهباط، أن الانخفاض محل الضيق، والتسبيح سبب للفرج، ومنه قوله تعالى في حق يونس: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤)} [الصافات: ١٤٣، ١٤٤]، وكانت مقالته في بطن الحوت: {سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}. انتهى (١).

٤ - (ومنها): ما قال الحافظ العراقيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وجه مناسبة قوله: "صدق الله وعده" إن كان سفر حجّ، أو عمرة، تذكيره بذلك وعد الله تعالى لنبيّه -صلى الله عليه وسلم- بقوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: ٢٧]، وإن كان رجوعًا من غَزَاة تذكيره قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} الآية [النور: ٥٥]، وقوله تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} [الفتح: ٢٠]، قال: وفي حديث أنس -رضي الله عنه- عند مسلم: "أقبلنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنا وأبو طلحة، وصفية رديفته على ناقته، حتى إذا كان بظهر المدينة قال: آيبون، تائبون … " الحديث، فهذا كان مَقْفَله من خيبر، وكانت متصلة بقصة الأحزاب: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (١٢)} [الأحزاب: ١٢]، فردّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ذلك عليهم. انتهى (٢).

٥ - (ومنها): أن مجموع هذا الذكر إنما كان -صلى الله عليه وسلم- يأتي به عند القفول، وكان يأتي بصدره في الخروج أيضًا كما تقدّم في الباب الماضي: "أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبّر ثلاثًا، ثم قال: سبحان الذي سخّر


(١) "طرح التثريب" ٥/ ١٨٥ - ١٨٦.
(٢) "طرح التثريب" ٥/ ١٨٧.