للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم أجاب بما حاصله: إن أبا بكر كان الأمير على الناس في تلك الحجة بلا خلاف، وكان عليّ هو المأمور بالتأذين، وكأن عليًّا لم يُطِق التأذين بذلك وحده، واحتاج إلى من يُعينه على ذلك، فأرسل معه أبو بكر أبا هريرة، وغيره ليساعدوه على ذلك، ثم ساق من طريق المحرّر بن أبي هريرة، عن أبيه، قال: "كنت مع عليّ حين بعثه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ببراءة إلى أهل مكة، فكنت أنادي معه بذلك حتى يَصْحَل صوتي (١)، وكان هو ينادي قبلي حتى يَعْيَى".

فالحاصل أن مباشرة أبي هريرة لذلك كانت بأمر أبي بكر، وكان ينادي بما يُلقيه إليه عليّ مما أُمر بتبليغه. ذكره في "الفتح" (٢).

(فِي الْحَجَّةِ) بالفتح المرة من الحج، وهو متعلّق بـ "بعثني" (الَّتِي أَمَّرَهُ) بتشديد الميم؛ أي: جعله أميرًا (عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ) وذلك سنة تسع من الهجرة، قال السهيليّ: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قدم من تبوك أراد الحجّ، فذكر مخالطة المشركين للناس في حجهم، وتلبيتهم بالشرك، وطوافهم عراة بالبيت، وكانوا يقصدون بذلك أن يطوفوا كما وُلدوا بغير الثياب التي أذنبوا فيها، وظلموا، فأمسك -صلى الله عليه وسلم- عن الحج في ذلك العام، وبعث أبا بكر -رضي الله عنه- بسورة براءة؛ لينبذ إلى كلّ ذي عهد من المشركين عهده، إلا بعض بني بكر الذين كان لهم عهد إلى أجل خاصّ (٣).

(فِي رَهْطٍ) بفتح، فسكون؛ أي: في جملة جماعة، والرهط من الرجال ما دون العشرة، وقيل: إلى الأربعين، ولا يكون فيهم امرأة، ولا واحد له من لفظه، ويجمع على أرهُط، وأرهاط، وأراهط جمعُ الجمع.

قال الحافظ: وقد وَقَفْتُ ممن سُمّي، ممن كان مع أبي بكر في تلك الحجة على أسماء جماعة، منهم سعد بن أبي وقّاص، فيما أخرجه الطبريّ، من طريق الحكم، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر، فلما انتهينا إلى ضَجْنَان أتبعه عليًّا، ومنهم جابر. روى الطبريّ من


(١) أي تذهب حِدّته.
(٢) "الفتح" ١٠/ ١٦٥ "كتاب التفسير" رقم (٤٦٥٦).
(٣) راجع: "عمدة القاري" ٨/ ١١٢.