للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "المرعاة": "ثم يباهي بهم" أي: بالحجاج "الملائكة" قال بعضهم: أي يُظهر على الملائكة فضل الحجاج وشرفهم.

وقال التوربشتيّ: المباهاة هو المفاخرة، وهي موضوعة للمخلوقين فيما يترفعون به على أكفاءهم، وتعالى الله الملك الحقّ عن التعزز بما اخترعه ثم تعبّده، وانما هو من باب المجاز، أي: يُحِلّهم من قربه وكرامته بين أولئك الملأ مَحَلّ الشيء المباهى به، ويَحْتَمِل أن يكون ذلك في الحقيقة راجعًا إلى أهل عرفة، أي: يُنزلهم من الكرامة منه منزلة يقتضي المباهاة بينهم، وبين الملائكة، وإنما أضاف العمل إلى نفسه تحقيقًا لكون ذلك عن موهبته، والله أعلم. انتهى كلام التوربشتيّ.

قال الجامع عفا الله عنه: دعواه المجاز في المباهاة هو نظير ما سبق في تأويلهم الدنوّ، فالحقّ أن المباهاة على ظاهرها، وقد أجاد صاحب المرعاة -رَحِمَهُ اللهُ- حيث عقّب على كلام التوربشتيّ هذا، فقال: قلت: الحديث محمول على ظاهره، من غير تأويل، وتكييف، كما هو مذهب السلف الصالح في النزول، والعلوّ، وغيرهما من الصفات، من إمرارها على ظاهرها، وتفويض الكيفية إلى علمه -سبحانه وتعالى-، فالدنوّ، والمباهاة، معناهما معلوم، والكيفية مجهولة، فنقول: إنه تعالى يدنو من عباده عشية عرفة بعرفات، ويباهي بهم الملائكة كيف يشاء، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ انتهى كلامه -رَحِمَهُ اللهُ- (١)، وهو تعقّب حسنٌ جدًّا، فتمسّك به، ولا تَمِل إلى مذهب هؤلاء المأوّلين، فإنه خطأ مبين، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

(وَيَقُولُ) -سبحانه وتعالى- (مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ ") "ما" استفهامية، والاستفهام هنا للتعجّب، كما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} الآية [الفرقان: ٤٥].

قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: أي إنما حملهم على ذلك حتى خرجوا من أوطانهم، وفارقوا أهاليهم، ولذّاتهم، ابتغاء مرضاتي، وامتثال أمري. انتهى (٢)

وقال القاري: قوله: (مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟) أَيْ: أَيّ شيء أراد هؤلاء حيث تركوا أهلهم، وأوطانهم، وصرفوا أموالهم، وأتعبوا أبدانهم، أي: ما أرادوا


(١) "المرعاة" ٩/ ١٣٦.
(٢) "المفهم" ٣/ ٤٦١.