للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واستدَلّ الأولون بما ذُكِر في هذا الباب، وبقول صُبَيّ بن مَعْبد لعمر -رضي الله عنه-: "رأيت الحج والعمرة مكتوبين عليّ، فأهللت بهما، فقال له: هُدِيت لسنة نبيك"، أخرجه أبو داود، وروى ابن خزيمة وغيره في حديث عمر، سؤال جبريل عن الإيمان، والإسلام، فوقع فيه: "وأن تحجّ، وتعتمر"، وإسناده قد أخرجه مسلم، لكن لم يسق لفظه.

وبأحاديث أُخَر غير ما ذُكِر، وبقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦]؛ أي: أقيموهما، وزعم الطحاويّ أن معنى قول ابن عمر: "العمرة واجبة"؛ أي: وجوب كفاية، ولا يخفى بُعده مع اللفظ الوارد عن ابن عمر.

وذهب ابن عباس، وعطاء، وأحمد إلى أن العمرة لا تجب على أهل مكة، وإن وجبت على غيرهم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن من ذِكر هذه الأقوال، وأدلّتها أن ما ذهب إليه الأولون من كون العمرة واجبة مطلقًا، سواء كان الشخص مكيًّا، أو آفاقيًّا هو الحقّ؛ لوضوح أدلّته، كما سبق آنفًا، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في مشروعيّة تكرار العمرة: ذهب الجمهور إلى استحباب تكرار العمرة في السنة الواحدة مرارًا، وهو المذهب الصحيح؛ للأحاديث الصحيحة الكثيرة في الترغيب في الاستكثار منها، كحديث الباب.

وذهب مالك، وأصحابه إلى أنه يُكره أن يعتمر في السنة أكثر من عمرة. وقال آخرون: لا يعتمر في شهر أكثر من عمرة.

قال الحافظ: واستدلّ لهم بأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يفعلها إلا من سنة إلى سنة، وأفعاله على الوجوب أو الندب.

وتُعُقّب بأن المندوب لم ينحصر في أفعاله، فقد كان يترك الشيء، وهو يستحبّ فعله لرفع المشقّة عن أمّته، وقد ندب إلى ذلك بلفظه، فثبت الاستحباب من غير تقييد. انتهى (٢).


(١) "الفتح" ٥/ ٥ - ٦.
(٢) "الفتح" ٥/ ٧.